المؤلفات » التوحيد عند مذهب أهل البیت (علیهم السلام)

الفصل الثالث عشر

البـداء

خصائص مسألة البداء
أهمية الاعتقاد بالبداء
معنى البداء
بيان كيفية وأسباب وقوع البداء
أسباب التسمية بالبداء
المقصود من "الظهور لله تعالى"
صلة البداء بالقضاء الإلهي
البداء ولوح المحو والإثبات
أمثلة وقوع البداء لله تعالى
أسباب أهمية البداء
البداء والردّ على مقولة اليهود
البداء ومشكلة عدم تحقّق إخبار الأنبياء بالمغيّبات
مستثنيات البداء
المشابهة والفرق بين البداء والنسخ


الصفحة 282

الصفحة 283

المبحث الأوّل

خصائص مسألة البداء

1 ـ وقعت مسألة البداء موقع سوء الفهم عند أهل السنة، وفهم هؤلاء من البداء ما لم يقصده أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ولهذا جعل هؤلاء مسألة البداء ذريعة لشنّ الهجمات ضدّ مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

2 ـ أدّى الصراع العقائدي بين الشيعة ومخالفيهم حول مسألة البداء إلى اشتهار هذه المسألة، وتسليط المزيد من الأضواء عليها في الساحات العلمية وغير العلمية.

3 ـ الأمر الباعث على الاستغراب حول مسألة البداء أنّها مسألة: يعتبرها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) من صميم الدين! ويعتبرها أتباع مذهب أهل السنة عقيدة هدّامة للدين!

4 ـ أكّد أهل السنة على إنكار عقيدة البداء; لأنّهم ظنّوا بأنّها تستلزم اتّصاف الله تعالى بالجهل وخفاء الأمور عليه، ويعود هذا الظن إلى عدم فهمهم الصحيح لهذه المسألة، واكتفائهم بالمعنى اللغوي الظاهري لمصطلح البداء.


الصفحة 284

المبحث الثاني

أهمية الاعتقاد بالبداء

أكّد أئمة أهل البيت(عليهم السلام) على أهمية الاعتقاد بالبداء أشدّ التأكيد بحيث ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

1 ـ قال(عليه السلام): "لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه"(1).

2 ـ وقال(عليه السلام): "ما عُظِّم الله بمثل البداء"(2).

3 ـ وقال(عليه السلام): "ما عُبد الله بشيء مثل البداء"(3).

4 ـ وقال(عليه السلام): "ما بعث الله عزّ وجلّ نبيّاً حتّى أخذ عليه ثلاث خصال:...، أنّ الله يقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء"(4).

وسيتبيّن لاحقاً ـ بعد بيان معنى البداء ـ أسباب أهمية الاعتقاد بالبداء والفوائد المترتبة على الإيمان به.

____________

1- (2 ) (3 ) (4 ) الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، باب البداء، ح 12، 1، 3، ص 146 ـ 148. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ح 7، 2، 1، 3، ص 324 ـ 325.


الصفحة 285

المبحث الثالث

معنى البداء

معنى البداء(1) في الاصطلاح اللغوي :

البداء يعني الظهور.(2)(3)

قال الشيخ الصدوق: "البداء... هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي، أي: ظهر"(4).

قال الشيخ المفيد: "الأصل في البداء هو الظهور"(5).

قال الشيخ الطوسي: "البداء حقيقة في اللغة هو الظهور"(6).

المعنى اللغوي للبداء في آيات القرآن الكريم :

1 ـ { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } [ الأنعام: 28 ] أي: ظهر لهم.

2 ـ { ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين } [ يوسف: 35 ]أي: ظهر لهم.

3 ـ { والله يعلم ما تبدون وما تكتمون } [ المائدة: 99 ] أي: يعلم ما تظهرون.

____________

1- البداء مصدر بدا، يبدو، بدواً (من الناقص الواوي).

وليس من بدا بالهمز (الذي يعني الابتداء).

2- تنبيه: لا يكون "الظهور" إلاّ بعد "الخفاء"، ولهذا فالمعنى الأدق للبداء هو "الظهور بعد الخفاء".

3- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (بدو)، 1 / 334.

مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني: مادة (بدا)، ص 113.

4- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ذيل ح 9، ص 327.

5- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 65.

6- الغيبة، الشيخ الطوسي: ذيل ح 418، ص 429.


الصفحة 286

4 ـ { بدا لهم سيئات ما عملوا } [ الجاثية: 33 ] أي; ظهر لهم.

5 ـ { فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما } [ الأعراف: 22 ] أي، ظهرت لهما.

معنى البداء في الاصطلاح العرفي :

اكتسب "البداء" في الاستعمال العرفي معنىً آخر له صلة بالظهور، وهو كما أشار إليه الشيخ المفيد: "إنّ لفظ البداء أطلق في أصل اللغة على تعقّب الرأي والانتقال من عزيمة إلى عزيمة"(1).

توضيح ذلك:

يقال: بدا له.

ويُقصد: أراد أن يقوم بفعل معيّن، فظهر له أمراً دفعه إلى تغيير موقفه الذي كان يقصده فيما سبق.

وعلى ضوء هذا المعنى يكون المقصود من البداء المنسوب إلى الله هو: أن يقدّر الله شيئاً في المستقبل بالنسبة إلى العباد، فيصدر بعد ذلك من العباد شيئاً يدعو الله إلى تغيير ما قدّره لهم.

وهل يصلح نسبة هذا المعنى إلى الله أم لا؟

هذا ما سيتبيّن في البحوث القادمة.

____________

1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 67.


الصفحة 287

المبحث الرابع

بيان كيفية وقوع البداء في أفعال الله وأسباب ذلك

إذا أراد الله وقوع فعل من أفعاله في المستقبل، فستتجلّى هذه الإرادة الإلهية في الواقع الخارجي على شكل "تقدير" يتمّ تثبيته في "لوح المحو والإثبات".

وبعد ذلك:

توجد مرحلة بين "ما قدّر الله وقوعه" وبين "تحقّق هذا التقدير" وفي هذه المرحلة لا يلزم على الله أن يحقّق ما قدّر وقوعه، بل الله مخيّر بعد ذلك:

بين "تحقّق" هذا التقدير.

وبين "عدم تحقّق" هذا التقدير.

فإذا حقّق الله ما قدّره، وأبقاه على ما كان عليه، ولم يغيّره بتقدير آخر، سُمّي هذا الأمر بـ "الإمضاء".

وإذا لم يحقّق الله ما قدّره، ولم يبقه على ما كان عليه، وغيّره بتقدير آخر، سُمّي هذا الأمر بـ "البداء".

بعبارة أخرى:

"الإمضاء" عبارة عن إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه، وعدم استبداله بتقدير آخر، وإيصال التقدير الأوّل إلى مرحلة التنفيذ.

و "البداء" عبارة عن عدم إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه، بل استبداله بتقدير آخر، وإيصال التقدير الثاني إلى مرحلة التنفيذ.

فقوله تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت } [ الرعد: 39 ]

"يمحو الله ما يشاء" هو البداء.


الصفحة 288

"ويثبت" هو الإمضاء.

وإذا أمضى الله شيئاً فلا بداء بعد ذلك.

إذ لا معنى بعد وقوع الفعل أن نقول بأنّ هذا الفعل هل سيقع أو لا يقع.

ولهذا قال الإمام علي بن موسى(عليه السلام): "فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء"(1).

أسباب تغيير التقدير الإلهي إزاء العباد :

لا يتعامل الله مع العباد وفق مشيئة أو إرادة محدّدة مسبقاً، أو قضاء وقدر غير قابل للتغيير، بل يتّخذ الله دائماً إزاء العباد المواقف المنسجمة مع المتطلّبات الجديدة.

وقد جعل الله لأفعال العباد الدور الكبير في كيفية تعامله معهم.

ومن هذا المنطلق يغيّر الله ما قدّره للعباد بموازات تغييرهم لسلوكهم وتصرّفاتهم.

قال تعالى: { إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم } [ الرعد: 11 ]

مثال ذلك:

1 ـ يشاء الله أن يرزق أحد العباد مالاً، فيقدّر له أن يحصل على هذا الرزق بعد يومين، وفي اليوم التالي يصدر من العبد فعلاً شيئاً، فيغيّر الله تعالى تقديره السابق وفق المتطلّبات الجديدة، ويقدّر حرمان هذا العبد من هذ الرزق أو يقدّر وصول هذا الرزق إلى هذا العبد بعد أربعة أيام.

2 ـ يشاء الله أن ينزل البلاء على أحد العباد، فيقدّر أن يتحقّق نزول هذا البلاء بعد يومين، وفي اليوم التالي يتوسّل هذا العبد بالدعاء ويسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة، فيغيّر الله تبعاً لذلك ما قدّره لهذا العبد، ويستبدل تقديره السابق بتقدير جديد منسجم مع المتطلّبات الجديدة.

ولهذا:

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "الدعاء يردّ القضاء بعد ما أُبرم

____________

1- الكافي: الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح 16، ص 149.


الصفحة 289

إبراماً"(1).

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "عليكم بالدعاء، فإنّ الدّعاء لله والطلب إلى الله يردّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلاّ إمضاؤه"(2).

____________

1- الكافي، الشيخ الكليني: ج 2، باب: إنّ الدعاء يردّ البلاء والقضاء، ح 7، ص 470.

2- المصدر السابق: ح 8 .


الصفحة 290

المبحث الخامس

أسباب التسمية بالبداء

الرأي الأوّل :

نسبة "البداء" إلى الله نسبة مجازية.

والمقصود من "البداء" هو "الإبداء" بمعنى "الإظهار".

أي: يظهر من أفعال الله للعباد ما كان خافياً عنهم، وما لم يتوقّعوه، ولم يكن في حسبانهم لعدم اطّلاعهم على علله وأسبابه.

قال الشيخ المفيد:

إنّ "اللام" في مقولة "بدا لله" بمعنى "من".

أي: بدا من الله للناس.

يقول العرب: قد بدا لفلان عمل حسن أو بدا له كلام فصيح.

كما يقولون: بدا من فلان كذا، فيجعلون "اللام" مقام "من".

فقولهم "بدا لله"، أي: بدا من الله سبحانه(1).

قال الشيخ الطوسي:

"إنّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنّا نظن خلافه أو نعلم ولا نعلم شرطه"(2).

يلاحظ عليه :

هذا المعنى بحدّ ذاته صحيح.

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 65. (بتصرّف).

2- الغيبة، الشيخ الطوسي: ذيل ح 418، ص 430.


الصفحة 291

ولكن يستبعد أن يكون هذا المعنى هو المقصود من البداء الذي اهتمّ به أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وأكّدوا عليه أشدّ التأكيد، كما اتّضح من أحاديثهم الشريفة التي أشرنا إلى أهمّها في المبحث الثاني من هذا الفصل.

دليل ذلك:

إنّ ظهور ما لم يتوقّعه العباد من الله شيء طبيعي، وذلك لقصور معرفة العباد وقلّة إلمامهم وعلمهم، وقد قال تعالى: { وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً } [ الإسراء: 85 ]

ويتبيّن من هنا بأنّ المعنى المقصود من البداء أرفع شأناً من هذا المعنى الذي لا يدل إلاّ على قلّة مستوى علم الإنسان بالأفعال الإلهية.

الرأي الثاني :

البداء عبارة عن تغيير الله ما قدّره للعباد، وقد سمّي البداء بـ "البداء"; لأنّ هذا التغيير لا يتحقّق إلاّ بعد أن يظهر لله تعالى في الواقع الخارجي أمراً من العباد يدعوه إلى هذا التغيّر في التعامل معهم. وسيتبيّن في المبحث اللاحق المقصود من "الظهور لله تعالى".


الصفحة 292

المبحث السادس

المقصود من "الظهور لله تعالى"

معنى الظهور الذي لا يصح نسبته إلى الله تعالى(1) :

الظهور بعد الخفاء بمعنى العلم بعد الجهل.

دليل تنزيه الله تعالى عن هذا الظهور:

يتضمّن هذا المعنى اتّصاف الله بالجهل، وخفاء الأمور عنه تعالى، وعدم معرفته بعواقب الأمور، ولكنّه عزّ وجلّ منزّه عن هذه الأمور، وهو الذي لا تخفى عليه خافية، وهو بكلّ شيء عليم.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له"(2).

قال(عليه السلام): "إنّ الله لم يُبد له من جهل"(3).

قال(عليه السلام): "ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه، إنّ الله لا يبدو له من جهل"(4).

سُئل(عليه السلام): "هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟ قال(عليه السلام): "لا، من قال هذا فأخزاه الله"(5).

قال(عليه السلام): "من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 65.

2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح 9، ص 148.

3- المصدر السابق: ح 10، ص 148.

4- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج4، باب 3، ح 63، ص 121.

5- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح 11، ص 148.


الصفحة 293

منه"(1).

قال(عليه السلام): "من زعم أنّ الله بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم"(2).

معنى الظهور الذي يصح نسبته إلى الله تعالى :

الظهور بعد الخفاء بمعنى أن يجد الله تحقّق الشيء في الواقع الخارجي بعد عدمه.

توضيح ذلك:

ينقسم ظهور الأشياء لله إلى قسمين:

1 ـ ظهور في مقام العلم الذاتي لله تعالى .

وجميع الأشياء ـ على ضوء هذا المعنى ـ ظاهرة لله، ولا يمكن استثناء شيء منها.

2 ـ ظهور في مقام العلم الفعلي لله تعالى .

والعلم الفعلي عبارة عن ظهور الأشياء لله بعد تحقّقها في الواقع الخارجي .

والأشياء ـ على ضوء هذا المعنى ـ لا تكون ظاهرة لله في مقام الفعل إلاّ بعد تحقّقها في الواقع الخارجي، أمّا الأشياء التي لم توجد بعد، ولم يكن لها وجود في الواقع الخارجي فهي لا تتّصف بالظهور في مقام الفعل، بل لا معنى للقول بأنّها ظاهرة في مقام الفعل وهي بعد معدومة وليس لها وجود في الواقع الخارجي(3).

بعبارة أخرى:

إنّ الأشياء الموجودة والمتحقّقة في الواقع الخارجي:

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي، ولها عنده تعالى ظهور في الواقع الخارجي.

____________

1- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 4، باب 3، ح 30، ص 111.

2- الاعتقادات، الشيخ الصدوق: باب الاعتقاد في البداء، ص 41.

3- انظر: عدّة الأصول، الشيخ الطوسي: ج 2، الباب السابع، الفصل الأوّل، ص 496.


الصفحة 294

إنّ الأشياء غير الموجودة والتي ستتحقّق في الواقع الخارجي.

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي، ولكن ليس لها عنده ظهور إلاّ بعد تحقّقها.

النتيجة :

نستنتج من التقسيم الذي تمّ بيانه حول مصطلح "الظهور" بأنّ قولنا في البداء:

ظهر لله كذا بعد أن لم يكن ظاهراً.

أي: وجد الله كذا في الواقع الخارجي بعد أن لم يجده.

مثال هذا الظهور في القرآن الكريم:

قال تعالى: { ولنبلونّكم حتّى نعلمَ المجاهدينَ منكم } [ محمّد: 31 ]

أي: "حتّى نعلم جهادكم موجوداً"(1); لأنّ قبل وجود الجهاد لا يُعلم الجهاد موجوداً، وإنّما يُعلم كذلك بعد حصوله"(2).

قال تعالى: { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه } [ البقرة: 142 ]

أي: لنعلم ذلك في مقام الفعل وفي الواقع الخارجي.

وإلاّ فالله عالم بالأشياء قبل كونها بعلمه الذاتي الأزلي.

وإنّما المقصود هنا هو "العلم الفعلي" الذي هو عبارة عن وجود وتحقّق الشيء في الواقع الخارجي(3).

____________

1- التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي: تفسير آية 31 من سورة محمّد، 9 / 306. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي: تفسير آية 31 من سورة محمّد، 9 / 161.

2- عدّة الأصول، الشيخ الطوسي: ج 2، الباب السابع، الفصل الأوّل، ص 496.

3- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثامن: علم الله تعالى، المبحث التاسع: علم الله بالأشياء بعد إيجادها .


الصفحة 295

المبحث السابع

صلة البداء بالقضاء الالهي

أقسام القضاء الإلهي :

1 ـ القضاء المحتوم:

وهو القضاء القطعي الذي لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.

2 ـ القضاء غير المحتوم:

وهو القضاء غير القطعي الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.

ولهذا يقع التبديل والتغيير في هذا القضاء فيما لو لم تتوفّر بعض شروطه أو فيما لو لم تنتف منه بعض الموانع.

صلة البداء بالقضاء الإلهي:

البداء يكون في القضاء غير المحتوم دون المحتوم.

ولهذا قال الشيخ المفيد: "فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطاً في التقدير"(1).

مثال للقضاء الإلهي المحتوم وغير المحتوم : الأجل

معنى الأجل: هو المدّة المعيّنة للإنسان ليعيش في الحياة الدنيا.

أقسام الأجل

1 ـ الأجل المحتوم (المقضي) (المسمّى):

____________

1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 67.


الصفحة 296

وهو الأجل الذي قضاه الله وقدّره بصورة حتمية بحيث جعله لا يقبل التقديم والتأخير.

2 ـ الأجل غير المحتوم (الموقوف) (غير المسمّى):

وهو الأجل الذي جعل الله فيه قابلية التقديم والتأخير.

أقوال أهل البيت(عليهم السلام) حول قوله تعالى :

{ ثمّ قضى أجلاً وأجل مسمّى عنده } [ الأنعام: 2 ]

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليهم السلام).

"هما أجلان:

أجل موقوف يصنع الله ما يشاء.

وأجل محتوم"(1).

وقال(عليه السلام) أيضاً:

"الأجل الذي غير مسمّى موقوف يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء.

وأمّا الأجل المسمّى... [ فهو محتوم، ومنه ] قول الله: { إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } [ الأعراف: 34 ]"(2).

سأل حمران بن أعين الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول هذه الآية، فقال(عليه السلام): إنّهما أجلان: أجل محتوم وأجل موقوف.

قال حمران: ما المحتوم؟

قال(عليه السلام): الذي لا يكون غيره.

قال: وما الموقوف؟

قال(عليه السلام): هو الذي لله فيه المشيّة [ أي: يقدّم أو يؤخّر منه ما يشاء ]..."(3).

____________

1- التفسير، العياشي: ج 1، تفسير سورة الأنعام، ح 7، ص 355.

2- المصدر السابق: ح 5، ص 354.

3- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 52، باب 25، ح 133، ص 249.


الصفحة 297

المبحث الثامن

البداء ولوح المحو والاثبات

قال تعالى: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } [ الرعد: 39 ]

أنواع اللوح :

1 ـ اللوح المحفوظ (أم الكتاب)

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي المحتوم، ولهذا يكون هذا اللوح مصوناً من المحو والإثبات والتغيير والتبدّل، ولا يطرأ البداء على ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

2 ـ لوح المحو والإثبات

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي غير المحتوم، أي: القدر والقضاء الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.

ولهذا يقع التغيير والتبديل في ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

ويمحو الله تعالى في هذا اللوح ما يشاء ويثبت ما يشاء.

توضيح:

يكتب الله في لوح المحو والإثبات ما قدّر تحقّقه في المستقبل.

وبما أنّ لأفعال ومواقف العباد دوراً في تغيير ما قدّره الله لهم، فلهذا إذا غيّر العباد سلوكهم وتصرّفاتهم فإنّ الله سيغيّر ما قدّره لهم، وسيمحو ما كتبه في لوح المحو والإثبات ويبدل ذلك بتقدير آخر.


الصفحة 298

صلة البداء بعلم الله الذاتي :

وقوع التغيير في التقدير الإلهي لا يوجب وقوع التغيير في العلم الإلهي الذاتي; لأنّه تعالى كما هو عالم بالتقدير الأوّل فإنّه كذلك عالم من الأزل بأنّه سيغيّر هذا التقدير بتقدير آخر.


الصفحة 299

المبحث التاسع

أمثلة وقوع البداء لله تعالى

البداء الأوّل : رفع العذاب عن قوم يونس(عليه السلام)

قال تعالى: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس: 98 ]

خطوات تحقق البداء الإلهي بالنسبة إلى قوم يونس(عليه السلام) :(1)

1 ـ أرشد النبي يونس(عليه السلام) قومه إلى الهدى والإيمان.

2 ـ أصرّ قوم يونس على الكفر والعصيان.

3 ـ أيس النبي يونس(عليه السلام) من دعوة قومه، فطلب من الله أن ينزل عليهم العذاب.

4 ـ استجاب الله دعاء النبي يونس(عليه السلام) على قومه.

5 ـ قضى الله قضاءً غير حتمياً بإنزال العذاب على قوم يونس(عليه السلام).

6 ـ أخبر الله النبي يونس(عليه السلام) بأنّه سينزل على قومه العذاب في يوم كذا.

7 ـ أخبر النبي يونس(عليه السلام) قومه بتعلّق الإرادة الإلهية بإنزال العذاب عليهم في يوم كذا .

8 ـ خرج النبي يونس(عليه السلام) في اليوم المحدّد من المنطقة التي يسكنها قومه.

9 ـ ظهرت آثار نزول العذاب الإلهي على قوم يونس(عليه السلام) في الوقت المحدّد.

10 ـ ندم قوم يونس(عليه السلام) على عصيانهم لله، فتابوا وفزعوا إلى الله تعالى.

11 ـ ظهر لله في الواقع الخارجي ندم وتوبة قوم يونس(عليه السلام) واستغاثتهم به لرفع

____________

1- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج 5، تفسير آية 98 من سورة يونس، ص 203 ـ 205.


الصفحة 300

العذاب.

12 ـ غيّر الله ما قدّره من العذاب على قوم يونس(عليه السلام) بعد توبتهم.

13 ـ محا الله تقديره الأوّل بإنزال العذاب على قوم يونس(عليه السلام) واستبدله بتقدير آخر.

14 ـ كان التقدير الإلهي الثاني أن يرفع عنهم العذاب ويمتّعهم إلى حين.

15 ـ وهنا وقع البداء، وكذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب.

البداء الثاني : بداء آخر بالنسبة إلى النبي يونس(عليه السلام)

قال تعالى: { فلولا أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [ الصافات: 143 ]

خطوات تحقّق هذا البداء :(1)

1 ـ استاء النبي يونس(عليه السلام) لعدم نزول العذاب على قومه، فلم يرجع إليهم.

2 ـ قدّر الله وقضى أن تبلع الحوت النبي يونس(عليه السلام)، وأن يلبث في بطنها إلى يوم القيامة.

3 ـ أكثر النبي يونس(عليه السلام) في بطن الحوت من ذكر الله وتسبيحه.

4 ـ ظهر لله في الواقع الخارجي توسّل النبي يونس(عليه السلام) بالذكر والتسبيح.

5 ـ غيّر الله ما قدّره للنبي يونس(عليه السلام) في خصوص بقائه في بطن الحوت إلى يوم القيامة.

6 ـ استبدل الله تقديره الأوّل بتقدير آخر، وهو إخراج النبي يونس(عليه السلام) من بطن الحوت.

7 ـ أخرج الله النبي يونس(عليه السلام) من بطن الحوت، وقال تعالى: { فلولا أنّه كان من المسبّحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } [ الصافات: 143 ـ 144 ]

____________

1- انظر: المصدر السابق.


الصفحة 301

البداء الثالث : تغيير مدّة ميقات النبي موسى(عليه السلام)

قال تعالى: { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة } [ الأعراف: 142 ]

خطوات تحقّق هذا البداء :

1 ـ قدّر الله أن يستدعي النبي موسى(عليه السلام) لميقاته مدّة ثلاثين ليلة.

2 ـ أخبر النبي موسى(عليه السلام) قومه بأنّه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة، وقال لهم: "إنّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه"(1).

3 ـ ذهب النبي موسى(عليه السلام) إلى ميقات ربّه وناجى الله ثلاثين ليلة.

4 ـ غيّر الله تقديره الأوّل في خصوص مدّة بقاء النبي موسى(عليه السلام) في الميقات، واستبدله بتقدير آخر، وهو أن يزيد الميقات عشرة ليال أخرى.

5 ـ قد يكون سبب هذا التغيير ما ظهر لله من أحوال قوم موسى(عليه السلام)، فأراد أن يختبرهم ويرى ما هو موقفهم عند تأخير عودة النبي موسى(عليه السلام) من الميقات.

البداء الرابع : إبعاد الله الموت عن العروس

روي أنّ المسيح عيسى بن مريم مرّ بقوم مُجلَبين(2).

فقال: ما لهؤلاء؟

قيل: يا روح الله، إنّ فلانة بنت فلان تُهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً.

فقال قائل منهم: ولِمَ يارسول الله؟

قال: لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه...

فلمّا أصبحوا جاؤوا، فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء.

____________

1- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي،ج 7، تفسير آية 142 من سورة الأعراف، ص 175.

2- مجلبين، أي: في حالة صياح وصخب.


الصفحة 302

فقالوا: ياروح الله إنّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميّته لم تمت!

فقال عيسى(عليه السلام): يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها.

... قالت : ... كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة، فننيله ما يقوته إلى مثلها، وأ نّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري، وأهلي بمشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً، فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى أ نَلْتهُ كما كنّا نُنيله.

فقال [ عيسى(عليه السلام) ] لها: تنحّي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جَذَعة عاض على ذنبه.

فقال(عليه السلام): بما صنعتِ صرف الله عنكِ هذا"(1).

البداء الخامس : إبعاد الله الموت عن اليهودي

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)، قال:

مرّ يهودي بالنبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: السّام عليك.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): عليك!

فقال أصحابه: إنّما سلّم عليك بالموت، قال: الموت عليك، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): وكذلك رددت.

ثمّ قال النبي(صلى الله عليه وآله): إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله، قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً، فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): ضعه.

فوضع الحطب، فإذا أسود في جوف الحطب عاضّ على عود.

فقال(صلى الله عليه وآله): يا يهودي ما عملت اليوم؟

قال: ما عملت عملاً إلاّ حطبي هذا احتملته فجئت به، وكان معي كعكتان، فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): بها دفع الله عنه.

____________

1- الأمالي، الشيخ الصدوق: المجلس 75، ح 816 / 13، ص 589 ـ 590.


الصفحة 303

وقال(صلى الله عليه وآله): إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان(1).

البداء السادس : التأجيل والتأخير في النصر الإلهي

ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمس عشرة ليلة، فأخبر بذلك قومه.

فقالوا: والله إذا كان ليفعلن وليفعلن!

فأخّره الله إلى خمس عشرة سنة.

وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة.

فأخبر بذلك النبي قومه.

فقالوا: ما شاء الله.

فعجّله الله لهم في خمس عشرة ليلة"(2).

البداء السابع : تأجيل الله أجل المَلِك

قال الإمام علي بن موسى(عليه السلام): لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال:

إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان المَلِك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا.

فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله المَلك وهو على سريره حتّى سقط من السرير، فقال: ياربّ أجّلني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري.

فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي: أن ائت فلان المَلِك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.

فقال ذلك النبي: ياربّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ!

____________

1- الكافي، الشيخ الكليني: ج1، باب أنّ الصدقة تدفع البلاء، ح3 ، ص5 .

2- الإمامة والتبصرة، الشيخ الصدوق: ح 86 ، ص 95.

بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج4، كتاب التوحيد، باب 3، ح 32، ص 112.


الصفحة 304

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عمّا يفعل(1) .

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 66 ، ح1، ص 430 ـ 431 .


الصفحة 305

المبحث العاشر

أسباب أهمية البداء

1 ـ التأكيد على حرّية الله في أفعاله.

إنّ الله تعالى غير مقيّد بحدود معيّنة مقدّرة منه تعالى منذ الأزل بحيث يكون الله تعالى ـ والعياذ بالله ـ عاجزاً عن تخطّيها أو تجاوز حدّها، بل الله تعالى قادر على تغيير ما قدّره مسبقاً بتقدير آخر، ومجرّد تقديره لشيء لا يحدّد أفعاله ولا يمنعه من تغيير ذلك.

بعبارة أخرى:

إذا قدّر الله شيئاً فإنّه غير مقيّد بالعمل وفق ما قدّره مسبقاً، بل له الحرّية والقدرة على تغيير هذا التقدير واستبداله بتقدير آخر.

2 ـ التأكيد على هيمنة الله وسلطانه على أمور العالم كلّها، وتصرّفه المباشر فيها حسب مشيئته وإرادته الحكيمة.

3 ـ التأكيد على مسألة اختيار الإنسان ودوره في تغيير مصيره بأفعاله وأعماله.

وهذا ما يحثّ الإنسان على الجدّ والاجتهاد لرفع مستواه والوصول إلى ما هو الأفضل عن طريق تمسّكه بالأسباب المادّية المتاحة له والأسباب المعنوية كالدعاء والتوسّل والصدقات وأنواع البرّ والطاعات.

وهذا بعكس ما لو كانت عقيدة الانسان بأنّ التقدير كلّه بيد الله من دون أن يكون للإنسان أيّ أثر في ذلك، وقد كُتب مصير كلّ إنسان، وجفّ القلم، والإنسان غير قادر على تغيير ما قُدّر له.

فهذه العقيدة تبعث الإنسان نحو الإحباط واليأس والقنوط، وتشلّ قدرته


الصفحة 306

وتسلب منه القوّة والعزم والإرادة على تغيير مصيره نحو الأفضل.

وبصورة عامّة:

الاعتقاد بالبداء يعني الاعتقاد بامتلاك القدرة على تغيير المصير المقدّر من قبل الله تعالى، وهذا ما يحثّ الإنسان على العمل الدؤوب والجاد من أجل تغيير مصيره بيده نحو الأفضل.

4 ـ التأكيد على أنّ إرادة الله حادثة وليست قديمة.

وتنقسم إرادة الله إلى قسمين:

أوّلاً: إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

ثانياً: إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

فالقسم الأوّل : إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق تحقّق الفعل المقصود في الواقع الخارجي.

قال تعالى: { إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس: 82 ]

والقسم الثاني : إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق الكتابة في الألواح.

فتتجسّد إرادة الله الحتمية في لوح أم الكتاب.

وتتجسّد إرادة الله غير الحتمية في لوح المحو والإثبات.


الصفحة 307

المبحث الحادي عشر

البداء والردّ على مقولة اليهود

قال الشيخ الصدوق: "البداء هو ردّ على اليهود; لأنّهم قالوا: إنّ الله قد فرغ من الأمر، فقلنا: إنّ الله كلّ يوم في شأن، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء"(1).

عقيدة اليهود :

ذهب اليهود إلى أنّ الله قدّر أمور العالم منذ الأزل، وفرغ من الأمر، فلا تغيير ولا تبديل فيما قدّر الله، فقد "جفّ القلم".

ولازم هذا القول أن يكون الله عاجزاً عن تغيير ما جرى به قلم التقدير فيما سبق.

ردّ عقيدة اليهود :

جاءت عقيدة "البداء" ردّاً على ماذهب إليه اليهود لتؤكّد بأنّ الأمر بيد الله، وأنّه تعالى لم يفرغ من الأمر، بل يمكن إيقاع التغيير في كلّ قضاء وقدر إلهي غير حتمي.

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول قول الله عزّ وجلّ: { وقالت اليهود يدّ الله مغلولة } [ المائدة: 64 ]

قال(عليه السلام):... قالوا قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص.

فقال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم: { غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } [ المائدة: 64 ]، ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب } [ الرعد: 39 ]"(2).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ذيل ح 9، ص 327.

2- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 25، ح 1، ص 163.


الصفحة 308

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "قالت اليهود { يد الله مغلولة } يعنون: أنّ الله تعالى قد فرغ من الأمر، فليس يحدث شيئاً.

فقال الله عزّ وجلّ: { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } .."(1).

" ... فكيف قال تعالى: { يزيد في الخلق ما يشاء }

وقال عزّ وجلّ: { يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب }

وقد فرغ من الأمر؟!"(2).

ولهذا قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) لأحد أصحابه:

"ادع ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه"(3).

____________

1- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج2، باب 13، ح 1، ص 161.

2- المصدر السابق: ص 167.

3- الكافي، الشيخ الكليني: ج 2، كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء والحثّ عليه، ح 3، ص 466.


الصفحة 309

المبحث الثاني عشر

البداء ومشكلة عدم تحقّق اخبار الانبياء بالمغيّبات

قد يشكل البعض على البداء، ويقول بأنّه يستلزم تكذيب الأنبياء والرسل وعدم الوثوق بهم; لأنّ هؤلاء قد يخبروا عن تحقّق حدث معيّن، ثمّ لا يتحقّق ذلك نتيجة وقوع البداء الإلهي فيه.

الجواب:

تنقسم الأمور التي يريد الله تحقّقها في المستقبل إلى قسمين:

1 ـ أمور حتمية

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن تقع حتماً، وهي من القضاء والقدر الإلهي الذي لم يجعل الله فيه قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

2 ـ أمور غير حتمية

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن يكون تحقّقها مشروطاً بتوفّر بعض المتطلّبات وانتفاء بعض الموانع، ولهذا فهي أمور فيها قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

نوعية إخبارات الأنبياء :

أغلب إخبارات الأنبياء والرسل تكون من الأمور الحتمية التي لا يكون فيها البداء، ولهذا ورد في الحديث الشريف:

قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام):

"من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة


الصفحة 310

ومن الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدّم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء، لم يطلّع على ذلك أحداً، يعني الموقوفة، فأمّا ما جاءت به الرسل، فهي كائنة لا يكذّب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته"(1).

قال(عليه السلام) أيضاً:

"العلم علمان:

فعلم عند الله مخزون لم يطلّع عليه أحداً من خلقه

وعلم علّمه ملائكته ورسله

فأمّا ما علّمه ملائكته ورسله، فإنّه سيكون، ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون يقدّم فيه ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويثبت ما يشاء(2)"(3).

تنبيه :

ليس المقصود من قوله(عليه السلام): "لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ورسله" إنكار وقوع البداء في إخبارات الأنبياء; لأنّ القرآن الكريم ـ كما أشرنا فيما سبق ـ يدل على وقوع مثل هذا البداء كقصّة النبي يونس(عليه السلام)، بل المقصود أنّه تعالى لا يفعل البداء الذي يؤدّي إلى تكذيب نفسه أو ملائكته أو رسله، وسنبيّن كيفية ذلك لاحقاً.

حل مشكلة إخبار الأنبياء عن الأمر غير الحتمي ووقوع البداء فيه :

وقوع البداء في ما أخبر عنه الأنبياء لا يؤدّي إلى تكذيبهم أو عدم الوثوق بهم; لأنّه تعالى جعل دائماً القرائن الواضحة الدالة على صدق إخبار الأنبياء، ولهذا نجد أكثر حالات البداء المروية في الأحاديث مقرونة بما يفيد التصديق وصحة إخبار الأنبياء، منها:

____________

1- التفسير، العياشي: ج 2، تفسير سورة الرعد، ح 65، ص 217.

2- تنبيه: ليس المقصود من العلم في هذا الحديث هو العلم الإلهي الذاتي، بل: المقصود من العلم الأوّل: ما هو مدوّن في أمّ الكتاب، وهو الذي لا يتعلّق به البداء; لأنّه مما لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.

والمقصود من العلم الثاني: ما هو مدوّن في لوح المحو والإثبات، وهو الذي يتعلّق به البداء; لأنّه يقبل المحو والتبديل والتغيير.

3- المحاسن، البرقي: ج 1، باب 24: باب العلم، ح [833] 235، ص 378.


الصفحة 311

1 ـ رفع العذاب عن قوم يونس(عليه السلام)

قرينة صحة إخبار النبي يونس(عليه السلام) بوقوع العذاب: شاهد قومه آثار العذاب الإلهي، ويكفي هذا في صحة خبر النبي يونس(عليه السلام).

2 ـ قصّة المسيح(عليه السلام) وإخباره بموت العروس

قرينة صحّة إخباره(عليه السلام): وجود الأفعى تحت ثياب العروس، ثمّ قال لها(عليه السلام): "بما صنعت [ أي: نتيجة مساعدتك لذلك السائل ] صرف عنك هذا".

3 ـ قصّة النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) وإخباره بهلاك اليهودي

قرينة صحّة إخباره(صلى الله عليه وآله) : أنّه(صلى الله عليه وآله) أمر اليهودي بوضع الحطب، فإذا أفعى أسود في جوف الحطب عاض على عود، ثمّ قال(صلى الله عليه وآله): "بها [ أي: بالصدقة التي أعطيتها للمسكين ] دفع الله عنه".

النتيجة :

الأمور التي يخبر الأنبياء(عليهم السلام) بوقوعها، ثمّ لا تقع نتيجة البداء الإلهي، فإنّه تعالى يجعل فيها القرائن الدالة على صحّة إخبارهم، والهدف من تبيين هذا البداء هو التأكيد على حريّة الله في أفعاله والتأكيد على دور الإنسان في تغيير مصيره بأفعاله، كما بيّنا ذلك في المبحث العاشر من هذا الفصل.


الصفحة 312

المبحث الثالث عشر

مستثينات البداء

تستلزم الحكمة الإلهية عدم وقوع البداء في موارد، منها:

1 ـ الأمور التي يصرّح النبي عند إخباره عن تحقّقها أو عدم تحقّقها بأنّها من الأمور الحتمية; لأنّ البداء يشمل الأمور غير الحتمية فقط، وأمّا الأمور الحتمية فلا يشملها البداء أبداً، ولهذا فإنّ وقوع البداء في ما يصرّح النبي بوقوعه حتماً يؤدّي إلى توصيف النبي بالكذب وخلف الوعد وغيرها من الأمور التي تؤدّي بالناس إلى عدم الوثوق بكلامه وإخباره.

2 ـ الأمور التي يخبر النبي عن وقوعها على نحو الإعجاز، من قبيل قول المسيح(عليه السلام): { وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران: 49 ]، فإنّه يلزم أن يكون هذا الإخبار من الأمور الحتمية، وإلاّ ينتفي الغرض فيما لو كان هذا الإخبار من الأمور غير الحتمية التي يقع فيها البداء بعد ذلك.

3 ـ الأمور الأساسية المرتبطة بصميم الدين، من قبيل الأمور المتعلّقة بالنبوّة والإمامة; لأنّ وقوع البداء في هذه الأمور يؤدّي إلى إضلال العباد وإخلال نظام التشريع.

ولهذا ورد في الحديث الشريف عن أئمة آل الرسول(صلى الله عليه وآله):

"مهما بدا لله في شيء فإنّه لا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته، ولا إمام عن إمامته..."(1).

____________

1- المسائل العكبرية، الشيخ المفيد: المسألة 37، ص 100.


الصفحة 313

تنبيه :

ولهذا أخطأ من ظنّ بأنّ البداء الذي حصل لإسماعيل ابن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)(1) كان حول مسألة الإمامة(2)، بل كان هذا البداء حول مسألة أخرى بيّنها الإمام الصادق(عليه السلام) بقوله:

"كان القتل قد كتب على إسماعيل مرّتين، فسألت الله في دفعه عنه فدفعه"(3).

أي: كان في تقدير الله أن يُقتل إسماعيل مرّتين، ولكن بسبب دعاء أبيه الإمام الصادق(عليه السلام) غيّر الله تعالى هذا التقدير(4).

____________

1- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني".

التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ح 10، ص 327.

2- أي: ليس المقصود أنّ الله اختار إسماعيل للإمامة ثمّ أعرض عنه واختار موسى بن جعفر لذلك.

انظر: المسائل العكبرية، الشيخ المفيد: المسألة 37، ص 100.

3- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 66.

4- ذكر بعض العلماء تفاسير مختلفة حول هذا البداء، منها:

المقصود من هذا البداء هو: ما ظهر من الله عزّ وجلّ على خلاف ما يتوقّعه الناس كما ظهر منه في إسماعيل بن جعفر الصادق حيث كان الكثير يظن بأنّه الإمام بعد أبيه، فلمّا قبض الله إسماعيل وتوفّاه ظهر للناس خلاف ما كانوا يتوقّعوه.

للمزيد راجع:

التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ذيل ج 10، ص 327.

الاعتقادات، الشيخ الصدوق: باب 10، ص 41.

وقد ناقشنا ضعف نسبة هذا المعنى للبداء في المبحث الخامس من هذا الفصل.


الصفحة 314

المبحث الرابع عشر

المشابهة والفرق بين البداء والنسخ

تعريف النسخ :

النسخ عبارة عن زوال حكم شرعي واستبداله بحكم شرعي آخر.

قال تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } [ البقرة: 106 ]

أمثلة للنسخ :

1 ـ تعلّقت إرادة الله بأن يحلّ الطيّبات لبني إسرائيل، ثمّ تغيّرت إرادة الله في هذا المجال، فحرّم الطيّبات عليهم، وتبيّن الآية التالية أسباب هذا التغيير:

قال تعالى: { فبظلم من الذين هادو حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا وقد نهو عنه واكلهم أموال الناس بالباطل } [ النساء: 160 ـ 161 ]

2 ـ كتب الله على المسلمين الاتّجاه نحو بيت المقدس حين الصلاة، ثمّ نسخ الله هذا الحكم، وأبدله بالاتّجاه نحو الكعبة.

3 ـ قال تعالى: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنّهم قوم لا يفقهون } [ الأنفال: 65 ]

ثمّ نسخ الله هذا الحكم بقوله تعالى: { الآن خفّف الله عليكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } [ الأنفال: 66 ]


الصفحة 315

بيان أهم موارد الشبه والفرق بين البداء والنسخ

المورد الأوّل :

في البداء: تتعلّق إرادة الله التكوينية أن يفعل "الله" كذا، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة، وتأتي مكانها إرادة أخرى(1).

في النسخ: تتعلّق إرادة الله التشريعية أن يفعل "العبد" كذا، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة، وتأتي مكانها إرادة أخرى.

المورد الثاني :

في البداء: يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التكوينات.

في النسخ: يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التشريعات.

المورد الثالث :

يكون البداء في قضايا تكوينية قدّر الله لها أن تتحقّق، ثمّ يمحو الله ما قدّره ويستبدله بقدر آخر.

يكون النسخ في قضايات شرعية تحقّقت (أي: أحكام تمّ تشريعها)، ثمّ يزيلها الله تعالى ويستبدلها بحكم آخر.

أقوال العلماء حول المشابهة بين البداء والنسخ :

قال الشيخ الصدوق:

"يجب علينا أن نقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له البداء، ومعناه... لا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلاّ وهو يعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت أن يأمرهم بذلك، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم.

____________

1- لا يخفى بأنّ إرادة الله حادثة، والمقصود من إرادته فعله، والمراد من استبدال الله إرادة مكان إرادة أخرى، أي: استبدال فعل مكان فعل آخر.


الصفحة 316

فمن أقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له أن يفعل ما يشاء، ويَعْدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدّم مايشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويأمر بما يشاء كيف يشاء فقد أقرّ بالبداء"(1).

قال الشيخ المفيد:

"أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله، من الافتقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، والإماته بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال"(2).

قال الشيخ الطوسي:

"إذا أضيفت هذه اللفظة [ أي: البداء ] إلى الله تعالى:

فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز

فأمّا ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه...

[ وأمّا ما لا يجوز من ذلك فهو ] حصول العلم بعد أن لم يكن"(3).

تنبيه :

إنّ الله تعالى منزّه عن الجهل أو الندم عند نسخه لبعض الأحكام الشرعية واستبدالها بأحكام أخرى، بل يعود سبب ذلك إلى لحاظ الله مصالح العباد في التشريع، وقد تتغيّر مصالح العباد نتيجة حدوث بعض التغييرات في الواقع الخارجي، فيؤدّي هذا الأمر إلى نسخ الله للحكم الشرعي واستبداله بحكم آخر أكثر انسجاماً مع المتطلّبات الجديدة.

حديث شريف :

قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام):

"جاء قوم من اليهود إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمّد، هذه القبلة بيت المقدس قد صلّيت إليها أربعة عشر سنة ثمّ تركتها الآن، أفحقّاً كان ما كنت عليه؟ فقد تركته

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 54، ذيل ح 9، ص 327.

2- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول 58: القول في البداء والمشيّة، ص 80 .

3- عدّة الأصول، الشيخ الطوسي: ج 2، الباب السابع، الفصل الأوّل، ص 495.


الصفحة 317

إلى باطل، فإنّما يخالف الحق الباطل، أو باطلاً كان ذلك؟ فقد كنت عليه طوال هذه المدّة، فما يؤمننا أن تكون الآن على الباطل؟

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): بل ذلك كان حقّاً، وهذا حقّ يقول الله: { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } [ البقرة: 142 ] إذا عرف صلاحكم ـ يا أيّها العباد ـ في استقبال المشرق أمركم به.

وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به.

وإذا عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به.

فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده، وقصده إلى مصالحكم"(1).

____________

1- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج 1، فصل احتجاجات النبي(صلى الله عليه وآله)، الاحتجاج رقم 25، ص 83 .

ولمعرفة المزيد من الفرق بين البداء والنسخ راجع:

الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في النبوات، فصل في الردّ على اليهود، ص 356. شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب الكلام في النبوة، جواز نسخ الشرائع السابقة، ص 186. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل النبوّة، في النسخ، ص 163 ـ 165. كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، مختصر من الكلام على اليهود في إنكارهم جواز النسخ، ص 225 ـ 227.


الصفحة 318

فهرس المطالب / تحميل الكتاب

فهرس المطالب

zip pdf