المؤلفات » التوحيد عند مذهب أهل البیت (علیهم السلام)

الفصل الثاني عشر

مشيئة اللّه تعالى وإرادته

مراتب صدور الفعل من الله تعالى
معنى وأقسام مشيئة الله تعالى
خصائص مشيئة الله تعالى
معنى الإرادة (لغة واصطلاحاً)
أقسام إرادة الله تعالى
إرادة الله صفة ذات أم صفة فعل؟
خصائص إرادة الله تعالى
حسن وقبح الإرادة
عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة
كراهة الله لبعض الأفعال


الصفحة 249

الصفحة 250

المبحث الأوّل

مراتب صدور الفعل من الله تعالى

1 ـ العلم

2 ـ المشيئة

3 ـ الإرادة

4 ـ القدر

5 ـ القضاء

6 ـ الإمضاء

حديث شريف :

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)

"عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى

... بعلمه كانت المشيئة

وبمشيئته كانت الإرادة

وبإرادته كان التقدير

وبتقديره كان القضاء

وبقضائه كان الإمضاء

والعلم متقدّم على المشيئة

والمشيئة ثانية

والإرادة ثالثة

والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء...


الصفحة 251

فبالعلم علم الأشياء قبل كونها

وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها

وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها

وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرّف أوّلها وآخرها

وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلّهم عليها

وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها

وذلك تقدير العزيز العليم"(1)

معنى مراتب الفعل الإلهي :

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "... لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى"

ثمّ عرّف الإمام(عليه السلام) هذه المراحل كما يلي:

المشيّة: الذكر الأوّل.

الإرادة: العزيمة على ما شاء.

القدر: وضع الحدود.

القضاء: إقامة العين(2).

وفي حديث آخر عنه(عليه السلام):

المشيّة: همّه بالشيء.

الإرادة: إتمامه على المشيّة.

القدر: الهندسة من الطول والعرض والبقاء.

ثمّ قال(عليه السلام): إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده، وإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه

____________

1- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب البداء، ح 16، ص 148 ـ 149.

2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب الجبر والقدر، ح 4، ص 158.


الصفحة 252

أمضاه(1).

وجاء في حديث آخر عنه(عليه السلام):

المشيّة: ابتداء الفعل.

الإرادة: الثبوت عليه.

القدر: تقدير الشيء من طوله وعرضه.

وإذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له(2).

وجاء في حديث آخر عنه(عليه السلام):

المشيّة: الاهتمام بالشيء.

الإرادة: إتمام ذلك الشيء(3).

____________

1- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 5، ب 3، ح 69، ص 122.

2- المصدر السابق: ح 68، ص 122.

3- المصدر السابق: ح 75، ص 126.


الصفحة 253

المبحث الثاني

معنى وأقسام مشيئة الله تعالى

معنى المشيئة :

المشيئة عبارة عن الاهتمام بفعل تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل(1).

أقسام مشيئة الله تعالى :

1 ـ مشيئة حتمية (مشيّة حتم).

2 ـ مشيئة غير حتمية (مشيّة عزم).

حديث شريف :

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنّ لله مشيّتين: مشيّة حتم، ومشيّة عزم..."(2).

____________

1- هذا المعنى مقتبس من الأحاديث الشريفة التي ذكرناها في المبحث السابق.

2- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 5، ب 3، ح 73، ص 124.


الصفحة 254

المبحث الثالث

خصائص مشيئة الله تعالى

1 ـ العلم الإلهي بوجود الحكمة والمصلحة في فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى مشيئة هذا الفعل.

فالمشيئة ـ في الواقع ـ منبعثة من العلم، ولكن لا يمكن القول بأنّ هذا العلم هو المشيئة; لأنّ ماهية "العلم" غير ماهية "المشيئة".

ولهذا جاز القول: "إن شاء الله".

ولم يجز القول: "إن علم الله"(1).

2 ـ إنّ مشيئة الله مُحدثة، وهي من صفات الله الفعلية.

أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) حول حدوث المشيئة :

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد"(2).

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "المشيئة مُحدثة"(3).

وعنه(عليه السلام): "خلق المشيّة قبل الأشياء، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة"(4).

وعنه(عليه السلام): "خلق الله المشيئة بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة"(5).

____________

1- هذا المعنى مقتبس من حديث شريف للإمام الصادق(عليه السلام).

انظر: الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل، ح 2، ص 109.

2- التوحيد، الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 5، ص 329.

3- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب: الإرادة...، ح 7، ص 110. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 18، ص 143.

4- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 8 ، ص 330.

5- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب الإرادة ... ، ح 4، ص 110. التوحيد، الشيخ الصدوق: باب11، ح 19، ص 143.


الصفحة 255

تنبيه :

ذكر العلاّمة المجلسي في بيان معنى "خلق الله المشيئة بنفسها" عدّة وجوه، منها:(1)

أوّلاً: "أن يكون المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أُخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيئة أخرى".

ثانياً "لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبمَ خلق المشيئة، أبمشيئة أخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له.

فأفاد الإمام(عليه السلام): أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أُخرى بل هي مخلوقة بنفسها..."

نظير ذلك:

1 ـ "إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إنّما يوجد بنفسه".

2 ـ "الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة".

____________

1- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 4، ب 4، ذيل ج 20، ص 145 ـ 147.


الصفحة 256

المبحث الرابع

معنى الارادة (لغة واصطلاحاً)

معنى الإرادة (في اللغة) :

الإرادة هي القصد والميل القاطع نحو الفعل(1).

معنى الإرادة (في الاصطلاح العقائدي) :(2)

الإرادة صفة توجب ترجيح أحد طرفي ما يقع في دائرة القدرة.

توضيح ذلك:

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:

1 ـ إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل).

2 ـ عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك).

وترجيح أحد هذين الأمرين يحتاج إلى "مخصّص".

وهذا "المخصّص" هو "الإرادة".

أضف إلى ذلك:

____________

1- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الثاني، باب: الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها، ص 355.

2- انظر: المصدر السابق، ص 372 ـ 373.

كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، فصل في المقدّمات في صناعة الكلام، ص 317. المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مريداً، ص 63. تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الأوّل، ص 192. تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 285. قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، إرادته تعالى، ص 55 ـ 56. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 88 ـ 89 . كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الإرادة. ص 179 ـ 180. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث السابع، ص 171. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث (11) المطلب (15): في الإرادة، ص 131. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص203. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الخامس، الفصل الثاني، البحث الثالث، ص 136.


الصفحة 257

يجد كلّ من يمتلك القدرة على الفعل أنّه قادر على أن:

1 ـ تصدر منه بعض الأفعال دون البعض الآخر.

2 ـ تصدر منه الأفعال في وقت دون غيره من الأوقات.

3 ـ تصدر منه الأفعال بصورة وكيفية دون صورة وكيفية أخرى.

فلابدّ من أجل صدور الفعل ـ في وقت دون غيره وبصورة دون أخرى ـ إلى "مخصّص"، وهذا المخصّص هو الذي يطلق عليه "الإرادة".

تنبيه :

لا يخفى بأنّنا لا يمكننا اعتبار "القدرة" من الأمور:

1 ـ المخصّصة والمرجّحة لأحد طرفي الفعل والترك.

2 ـ المتمكّنة من تخصيص الفعل بوجه دون غيره وبوقت دون غيره.

لأنّ "القدرة" شأنها "الإيجاد" فقط، وليس من شأنها "التخصيص"(1).

____________

1- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 283. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 89 . كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الإرادة، ص 179. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 402. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث السابع، ص 171. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث (11)، المطلب (15): في الإرادة، ص 131. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص 204. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الأوّل، ص 201.


الصفحة 258

المبحث الخامس

أقسام ارادة الله تعالى

1 ـ إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية.

وتسمّى هذه الإرادة: "الإرادة التشريعية".

2 ـ إرادة الله تعالى لأفعال نفسه.

وتسمّى هذه الإرادة: "الإرادة التكوينية"(1).

مثال إرادة الله التشريعية في القرآن :

قوله تعالى: { كونوا قوامين بالقسط } [ النساء: 165 ]

إرادة الله هنا إرادة تشريعية، أي: طلب الله من مخاطبيه في هذه الآية أن يكونوا قوّامين بالقسط.

مثال إرادة الله التكوينية في القرآن :

قوله تعالى: { كونوا قردة خاسئين } [ البقرة، 65 ]

إرادة الله هنا إرادة تكوينية، ولهذا انقلب أصحاب السبت بعد هذا الخطاب إلى قردة خاسئين.

المقارنة بين الإرادتين في هاتين الآيتين :

لو أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: { كونوا قوامين بالقسط } كما أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: { كونوا قردة خاسئين } لكانوا كلّهم قوّامين بالقسط شاؤوا أم أبوا، ولكنّه لو فعل ذلك ما استحقّوا أجراً ولا ثواباً إزاء طاعتهم، ولهذا أراد الله أن يكون مخاطبيه (من العباد المكلّفين) قوّامين بالقسط باختيارهم، فتكون الإرادة في هذه الآية مغايرة للإرادة في الآية الأخرى.

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 25.


الصفحة 259

دليل وجود إرادة الله التشريعية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لبعض أفعال عباده):

أمر الله العباد ببعض الأفعال، فيلزم ذلك أنّه يريد قيامهم بهذه الأفعال; لأنّ الحكيم لا يأمر إلاّ بما يريد(1).

دليل وجود إرادة الله التكوينية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه):

1 ـ إنّ الله تعالى

صدرت منه بعض الأفعال دون غيرها.

وصدرت منه الأفعال في أوقات دون غيرها.

وصدرت منه الأفعال بصورة وكيفية دون غيرها.

وهذا يدل على لزوم وجود "مخصّص" قام بتحديد وقوع هذه الأفعال، وجعلها تقع في أوقات معيّنة وبصورة وكيفية خاصّة.

وهذا المخصّص هو "الإرادة"، فثبت كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه(2).

2 ـ يتضمّن كلام الله أوامر ونواهي وإخبارات و...

ولا يقع الكلام على أحد هذه الوجوه إلاّ بعد إرادته تعالى له، وهذه الإرادة هي التي تخصّص كلام الله ليكون أمراً أو نهياً أو إخباراً و... ولولا كونه تعالى مريداً لما وقع منه الأمر أمراً ولا الخبر خبراً، فوقوع الكلام على إحدى هذه الوجوه يدل على كونه تعالى مريداً(3).

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 26 ـ 27.

الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، باب الكلام في الإرادة وما يتعلّق بها، ص385 ـ 386.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 26.

تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 281 تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الأوّل، ص 192. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 89 . كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 401 ـ 402. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الأوّل، ص 201.

3- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى، الجزء الثالث، باب: الكلام في الإرادة، ص 357.

رسائل الشريف المرتضى: ج 1، رسالة (8)، المسألة الرابعة، ص 376.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: كونه تعالى مريداً وكارهاً، ص 56.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، ص 58.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مريداً، ص 64.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطب الثاني، ص 50 .


الصفحة 260

معنى إرادة الله التشريعية

أي: معنى إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية:

إرادة الله لأفعال عباده تعني أنّه تعالى يطلب منهم أداء هذه الأفعال على وجه الاختيار (لا على نحو الحتم والإجبار والاضطرار)(1).

حديث شريف :

قال الإمام الرضا(عليه السلام) حول إرادة الله ومشيئته في أفعال العباد: "أمّا الطاعات فإرادة الله ومشيّته فيها الأمر بها، والرضا لها، والمعاونة عليها. وإرادته ومشيّته في المعاصي النهي عنها، والسخط لها، والخذلان عليها"(2).

معنى إرادة الله التكوينية

أي: معنى إرادة الله لأفعال نفسه:

الرأي الأوّل : تفسير الإرادة بتنزيه الأفعال عن السهو والعبث

ذهب البعض(3) إلى أنّ المقصود من وصفه تعالى بأنّه "مريد" بيان هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه في أفعاله عن صفة الساهي والعابث، وبيان أنّه غير مغلوب ولا مستكره في أفعاله(4).

____________

1- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 56: باب الاستطاعة، ذيل ح 3، ص 337.

النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 25.

أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول (9)، ص 53.

كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج1، القول في المريد، ص 83 .

المسلك في أصول الدين، المحقّق الطوسي: النظر الأوّل، المطلب الثاني، ص 50.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث السابع، ص 171.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كونه تعالى مريداً...، ص 269.

2- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 5، ب 1، ح 18، ص 12.

3- ينسب هذا القول إلى "الحسين بن محمّد النجار" من متكلّمي أهل السنة، توفّي حوالي سنة 230 هـ.

انظر: الملل والنحل، أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني: ج 1، الباب الأوّل، الفصل الثاني: الجبرية، 2 ـ النجارية، ص 89 .

4- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، فصل في المقدّمات في صناعة الكلام، ص 317.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مريداً، ص 62.

تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 281.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثاني، ص 50.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 402.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث الثالث، ص 171.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص 205.


الصفحة 261

يلاحظ عليه :

يبيّن هذا المعنى أوصافاً ملازمة لمعنى "الإرادة"، ولا تعتبر هذه الأوصاف معنىً للإرادة نفسها(1).

الرأي الثاني : تفسير الإرادة بالعلم(2)

الإرادة هي علم الله الموجب لإيجاد فعل معيّن بسبب اشتمال ذلك الفعل على مصلحة داعية إلى إيجاده.

بعبارة أخرى:

معنى كونه تعالى مريداً، أي: عالماً بأنّ المصلحة والحكمة تقتضي صدور هذا الفعل منه بصورة محدّدة ووقت معيّن، فيدعوه هذا العلم إلى إيجاد هذا الفعل بتلك الصورة وفي ذلك الوقت دون غيره.

توضيح ذلك:

إنّ علم الله بوجود المصلحة في صدور فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى إيجاده، فيوجد الفعل بصورة دون غيرها وفي الوقت دون غيره لعلمه تعالى بأنّ هذا الفعل يشتمل على المصلحة في تلك الصورة وذلك الوقت دون غيره.

____________

1- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإرادة لله تعالى، ص 205.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: 25.

عجالة المعرفة، محمّد بن سعيد الراوندي: مسألة في الإرادة، ص 31. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 88 ـ 98. إشراق اللاهوت، عبدالمطلب العبيدلي: المقصد الخامس، المسألة السادسة، ص 215. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، تحقيق حول الإرادة والكراهة، ص 118 ـ 119. إثبات الإرادة لله تعالى، ص 204.


الصفحة 262

تفصيل ذلك:

الإرادة ـ كما ورد في تعريفها ـ عبارة عن "مخصّص".

ويقوم هذا المخصّص بعملية تحديد الفعل وزمانه وكيفية وقوعه.

وبيان ذلك ـ كما ذكرناه سابقاً ـ :

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:

1 ـ إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل).

2 ـ عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك).

ويقتضي إجراء القدرة إلى:

1 ـ تحديد الحالة; لأنّ الفعل يمكنه أن يتّصف بحالات كثيرة.

2 ـ تحديد الوقت; لأنّ الفعل لابدّ أن يتحقّق في وقت دون وقت.

وتخصيص الفعل بحالة دون غيرها وبوقت دون غيره يحتاج إلى مخصّص، وهذا "المخصّص" عبارة عن علمه تعالى بالفعل والوجه والوقت المشتمل على المصلحة، فيكون هذا "العلم" سبباً لصدور الفعل وتخصيصه بوجه دون وجه ووقت دون وقت، فيكون هذا "العلم" هو "الإرادة".

تنبيهات :

1 ـ ليس المقصود من "العلم" في هذا المقام "العلم المطلق"; لأنّ الله تعالى يعلم بعلمه المطلق كلّ شيء، ولكنّه لا يريد كلّ شيء.

وإنّما المقصود هو العلم الخاص، وهو العلم باشتمال بعض الأفعال على الخير والمصلحة.

2 ـ لا يخفى بأنّ المصلحة التي تدعو الله إلى الفعل ترجع إلى العباد ولا ترجع إلى الله عزّ وجلّ، لأنّ الله تعالى غني بالذات، وهو منزّه عن الاحتياج.

3 ـ تكون الإرادة ـ وفق هذا المعنى ـ من صفات الله الذاتية; لأنّ مرجعها هو "العلم"، والعلم من صفات الله الذاتية، فتكون الإرادة من صفات الله الذاتية(1).

____________

1- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 89 .

الأنوار الجلالية، مقداد السيوري: الفصل الأوّل، ص 89 .


الصفحة 263

4 ـ يعود سبب القول بهذا المعنى إلى الهروب من توصيف الله بأمر حادث يستلزم الفعل والانفعال كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.

مناقشة الرأي الثاني (تفسير الإرادة بالعلم) :

1 ـ لا يوجد شك في أنّ الله تعالى عالم بذاته وعالم بالأفعال التي يؤدّي فعلها إلى فعل الأصلح والأنفع، ولكن تفسير الإرادة بالعلم يؤدّي إلى إنكار حقيقة الإرادة، ويؤدّي إلى القول بأنّ الله تعالى موجود غير إرادي يعمل وفق البرمجة المسبقة الكامنة في ذاته، والله تعالى منزّه عن ذلك(1).

2 ـ الإرادة صفة مخصّصة لأحد المقدورين، أي: الفعل والترك. وهذه الصفة مغايرة للعلم.

دليل ذلك :

مفهوم "العلم" يختلف عن مفهوم "الإرادة"(2).

والعلم على رغم كونه مخصّصاً لأحد الطرفين، ولكن لا يصح تسميته بالإرادة وإن اشترك مع الإرادة في النتيجة، وهي تخصيص الفاعل قدرته بأحد الطرفين.

لأنّ الاشتراك في النتيجة لا يوجب أن يقوم "العلم" مقام "الإرادة".

وما يمكن قوله:

إنّ العلم من الأمور القريبة للإرادة.

والإرادة من الأمور القريبة للفعل(3).

3 ـ سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): لم يزل الله مريداً؟ فقال(عليه السلام): "إنّ

____________

1- انظر: الإلهيات، محاضرات، جعفر سبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1 / 169.

2- أشار العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي إلى هذه الحقيقة بأنّنا إذا أردنا توصيفه تعالى بالإرادة ـ بعد تجريدها من النقائص ـ فلا يمكننا تطبيقها على علمه تعالى; لأنّ ماهية وحقيقة العلم غير ماهية الإرادة.

انظر: نهاية الحكمة، العلاّمة محمّد حسين الطباطبائي: المرحلة الثانية عشر، الفصل الثالث عشر: في قدرة الله تعالى، ص 263.

3- انظر: الإلهيات، محاضرات، جعفر سبحاني: بقلم: حسن محمّد مكي العاملي: 1 / 169.


الصفحة 264

المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد"(1).

ويدل هذا الحديث بصورة واضحة على أنّ "الإرادة" غير "العلم" و "القدرة".

4 ـ سأل أحد الأشخاص الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

"علم الله ومشيئته هما مختلفان أو متّفقان؟ فقال(عليه السلام): العلم ليس هو المشيئة، ألا ترى أنّك تقول: سأفعل كذا إن شاء الله، ولا تقول: سأفعل كذا إن علم الله، فقولك: إن شاء الله دليل على أنّه لم يشأ فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء. وعلم الله سابق للمشيئة"(2).

تنبيه :

لا يصح القول بأنّ حقيقة "إرادة الله" نفس "علم الله" بذريعة أنّ صفات الله الذاتية عين ذاته.

دليل ذلك :

ليس المقصود من كون صفات الله الذاتية عين ذاته إرجاع مفهوم كلّ واحدة من هذه الصفات إلى الأخرى، وأن يقال ـ على سبيل المثال ـ علمه قدرته، وقدرته حياته و ... ; لأنّ لازم ذلك إنكار جميع هذه الصفات، بل المقصود إثبات حقيقة بسيطة اجتمعت فيها الحياة والعلم والقدرة من دون أن يحدث في الذات تكثّر وتركّب(3).

النتيجة :

الإرادة صفة غير العلم،: وهي صفة زائدة على ذاته تعالى.

الرأي الثالث حول معنى إرادة الله لأفعال نفسه : تفسير الإرادة بالخلق والإيجاد

إرادة الله لشيء تعني نفس عملية الخلق والإيجاد لذلك الشيء.

فعندما نقول: أراد الله شيئاً، أي: خلقه وأوجده.

____________

1- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب: الإرادة أنّها من صفات الفعل، ح 1، ص 109.

2- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 16، ص 142. الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب: الإرادة أنّها من صفات الفعل، ح 2، ص 109.

3- انظر: معارف القرآن، الجزء الأوّل: في معرفة الله، محمّد تقي المصباح، تعريب: محمّد عبدالمنعم الخاقاني: إرادة الله وكلامه، ص 165.


الصفحة 265

وعندما نقول: أراد الله كذا ولم يرد كذا، أي: فعل كذا ولم يفعل كذا(1).

قال تعالى: { إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل: 85 ](2)

قال الشيخ المفيد: "إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله،... وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمّد"(3).

حديث شريف :

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل. وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك; لأنّه لا يروّي(4) ولا يهمّ ولا يتفكّر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق.

فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك.

يقول له: كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همّة، ولا تفكّر، ولا كيف لذلك، كما أنّه بلا كيف"(5).

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التكوينية :

1 ـ { إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس: 82 ]

2 ـ { إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل: 40 ]

3 ـ { وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له } [ الرعد: 11 ]

4 ـ { إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن

____________

1- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، القول في المريد، ص 83 .

2- تنبيه: ليس المقصود من هذه الآية أنّه تعالى يخاطب شيء غير موجود، بل الآية من باب المجاز، والمقصود أنّه تعالى إذا أراد شيئاً فإنّ هذا الشيء سيوجد بسهولة ومن دون أي مانع أو تأخير.

انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 1، فصل مما ورد في القرآن في هذا المعنى، ص 57 ـ 58.

3- أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول (19): القول في الصفات، ص 53.

4- روّى في الأمر: نظر فيه وتفكّر.

5- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 17، ص 142.


الصفحة 266

ممسكات رحمته } [ الزمر: 38 ]

5 ـ { قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً } [ المائدة: 17 ]

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التشريعية :

ـ { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم } [ الأنفال: 67 ]

ـ { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً } [ النساء: 27 ]

أقسام إرادة الله التكوينية :

1 ـ زمن صدور الإرادة وتحقّقها واحد

أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في نفس وقت صدورها. (ومعنى صدورها نفس تحقّقها في الواقع الخارجي).

مثال ذلك قوله تعالى: { إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } [ يس: 82 ]

2 ـ زمن صدور الإرادة وتحقّقها مختلف

أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في المستقبل. (ومعنى صدورها تسجيلها في اللوح المحفوظ أو لوح المحو والإثبات)

وتنقسم هذه الإرادة إلى قسمين:

1 ـ إرادة حتم (الإرادة الحتمية): وهي الإرادة التي لا يطرء عليها تغيير، ولابدّ من تحقّقها في المستقبل.

2 ـ إرادة عزم (الإرادة غير الحتمية): وهي الإرادة التي قد يطرء عليها تغيير، فيعتريها البداء ولا تتحقّق في المستقبل(1).

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنّ لله إرادتين: إرادة حتم وإرادة عزم، إرادة حتم لا تخطىء،

____________

1- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثالث عشر، المبحث الرابع والثامن.


الصفحة 267

وإرادة عزم تخطىء وتصيب(1)..."(2).

____________

1- أي: إرادة عزم قد لا تقع وقد تقع .

2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 5، ب 3، ح 73، ص 124.


الصفحة 268

المبحث السادس

ارادة الله صفة ذات أم صفة فعل

إنّ إرادة الله من صفات الله الفعلية; لأنّ إرادة الله تعني قصده تعالى للفعل، وهذا القصد لا ينفك عن الفعل.

تبيين فعلية صفة الإرادة :

1 ـ من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: الصفات الذاتية لا تقع في دائرة النفي والإثبات.

فلا يقال: إنّ الله يعلم ولا يعلم.

ولا يقال: إنّ الله قادر وغير قادر.

ولكن الصفات الفعلية تقع في دائرة النفي والإثبات.

فيقال: إنّ الله يعطي ولا يعطي.

ويقال: إنّ الله يرزق ولا يرزق.

وعلى ضوء هذا المقياس نجد بأنّ الإرادة تقع في دائرة النفي والإثبات، ويقال: إنّ الله يريد كذا ولا يريد كذا.

فيثبت أنّ إرادة الله تعالى من صفات الله الفعلية.

2 ـ من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: صفات الذات تُنتزع من الذات الإلهية مع قطع النظر عن مخلوقاته تعالى، من قبيل: الحياة، العلم، القدرة.

وصفات الفعل تُنتزع من الأفعال الإلهية، ولا يمكن نسبتها إلى الله إلاّ بعد لحاظ إحدى مخلوقاته تعالى(1)، من قبيل: الخالق، الرازق، المدبّر.

____________

1- أي: تحكي هذه الصفات عن الأفعال الإلهية وكيفيتها.


الصفحة 269

والإرادة ـ في الواقع ـ تنتزع من الأفعال الإلهية.

لأنّ الإرادة تعني "الحدوث بعد العدم" و "الوجود بعد اللاوجود"، وبهذا المعنى يستحيل أن تكون الإرادة وصفاً لذاته تعالى.

فيثبت أنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وليست من صفات الله الذاتية.

الأحاديث الشريفة المبيّنة بأنّ الإرادة من صفات الله الفعلية :

1 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)؟ "المشيّة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً فليس بموحّد"(1).

2 ـ سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): لم يزل الله مريداً؟ فقال(عليه السلام): "إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد"(2).

3 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "كان الله، وهو لا يريد بلا عدد أكثر مما كان مريداً"(3).

ومن هذا المنطلق قال السيّد عبدالله شبّر:

"ورد في جملة من الأخبار عن الأئمة الأطهار(عليهم السلام) الملك الغفّار أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه، وأنّها من صفات الفعل الحادثة كالخالقية والرازقية ونحوها، لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح"(4).

تنبيه :

لو كانت الإرادة قديمة ومن الصفات الذاتية، فسيلزم ذلك قدم المرادات، وهو باطل(5).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 55: باب المشيئة والإرادة، ح 5، ص 329.

2- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب: الإرادة ... ، ح1، ص109.

التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، ح 15، ص 141.

3- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 4، ب 4، ح 17، ص 145.

4- حقّ اليقين، عبدالله شبّر: ج 1، كتاب التوحيد، الفصل الثالث، الباب الأوّل، ص 54.

5- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الرابعة، ص 402.

إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الثاني عشر، المسألة الثالثة، ص 408.


الصفحة 270

النتيجة :

إنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وهي حادثة.

وما هو من صفات الله الذاتية هو "الاختيار" بمعنى أنّه تعالى غير مضطر ولا مجبور.


الصفحة 271

المبحث السابع

خصائص ارادة الله تعالى

1 ـ العامل المؤثّر في حدوث الفعل هو القدرة فحسب.

والإرادة لا تؤثّر في حدوث الفعل، وإنّما تؤدّي إلى إعمال القدرة في اتّجاه معيّن، فتنطلق القدرة وتحقّق الفعل المقصود وفق الخصائص المطلوبة(1).

2 ـ لا يكون الله مريداً لشيء بإرادة أخرى، ليحتاج في إرادته إلى إرادة أخرى.

دليل ذلك:

أوّلاً: يوجب احتياج الإرادة إلى إرادة أخرى تسلسل الإرادات إلى ما لا نهاية له، وهذا محال، فيثبت أنّ إرادة الله تصدر منه تعالى من دون احتياجها إلى إرادة أخرى(2).

ثانياً: لا يحتاج تحقّق الإرادة إلى وجود إرادة أُخرى لأنّ الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة لتحتاج إلى ما يؤثّر في وقوعها على بعض تلك الوجوه(3).

ثالثاً: لا تتحقّق الإرادة لغرض يخصّها، وإنّما تتحقّق والمراد والمقصود شيء آخر، فلا تكون الإرادة مُرادة ليتطلّب تحقّقها إلى إرادة أخرى، وإنّما المقصود هو ذلك الشيء فيحتاج تحقّقه إلى إرادة(4).

____________

1- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347.

2- انظر: مسألة في الإرادة، الشيخ المفيد: 7 ـ 8 .

الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347. غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الرابع، ص 43.

3- انظر: رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطرابلسيات الثالثة، المسألة السابعة، ص 389.

4- انظر: الملخص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 347. غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الرابع، ص 44.


الصفحة 272

الصفحة 273

المبحث الثامن

حسن وقبح الارادة

1 ـ الإرادة لا تمتلك "الحسن" أو "القبح" الذاتي.

ولا تؤثّر في حسن وقبح الأشياء.

وإنّما تترك الإرادة الأثر في وقوع الشيء على بعض الوجوه.

وهذه الوجوه:

قد تكون حسنة.

وقد تكون قبيحة.

فتتصف الإرادة عن طريق هذه الوجوه بالحسن أو القبح(1).

مثال ذلك:

إنّ "الخبر" بذاته فاقد للحسن أو القبح.

وإنّما يكون حسنه وقبحه بالواسطة.

فإذا كان "الخبر" مطابقاً للواقع، كان صدقاً وحسناً.

وإذا كان "الخبر" مخالفاً للواقع، كان كذباً وقبيحاً(2).

2 ـ كلّ "إرادة" تعلّقت بمراد حسن فهي حسنة.

ولكن يشترط في هذا المقام "انتفاء وجوه القبح"; لأنّ "المراد" قد يكون

____________

1- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، فصل فيما يؤثّر من الإرادات ولا يؤثّر، ص 348.

2- انظر: المصدر السابق.


الصفحة 274

"حسناً"، وتكون الإرادة قبيحة، من قبيل: إرادة الفعل الحسن ممن لا يطيقه(1).

3 ـ إرادة القبيح قبيحة; لأنّ الذمّ يتعلّق بمريد القبيح كما يتعلّق بفاعله(2).

____________

1- انظر: المصدر السابق، ص 347.

2- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 386.

رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطبرية، المسألة الثانية، ص 141. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 105. الاقتصاد، الشيخ الطوسي، القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص89 . المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: الرسالة الماتعية، الفصل الثاني، ص 300. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث السادس، ص 112. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الخامسة، ص 422. الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الثاني: في العدل، ص 76.


الصفحة 275

المبحث التاسع

عدم تعلّق ارادة الله بأفعال العباد القبيحة

قال الشيخ المفيد: "إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الأفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الأعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً"(1).

قال السيّد المرتضى: "إنّ الله تعالى لم يرد شيئاً من المعاصي والقبائح، ولا يجوز أن يريدها ولا يشاءها ولا يرضاها، بل هو تعالى كاره وساخط لها"(2).

قال سديدالدين الحمصي: "ذهب جماهير أهل العدل إلى أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش والمعاصي، ولم يحبّها ولم يرض بها، بل كرهها"(3).

أدلة عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة :

1 ـ نهى الله العباد عن القيام ببعض الأفعال.

وهذا ما يكشف كراهته تعالى لهذه الأفعال.

وليس من المعقول أن يكره الله صدور فعل من العبد، ثمّ تتعلّق إرادته تعالى به.

لأنّ تعلّق الإرادة والكراهة بشيء واحد في آن واحد محال.

فيثبت عدم تعلّق إرادة الله بما نهى العباد عنه وكرهه لهم.

____________

1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في الإرادة والمشيئة، ص 49، 50.

2- رسائل الشريف المرتضى: جوابات المسائل الطبرية، المسألة الثانية، ص 140.

3- المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 179.


الصفحة 276

أي: لا تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة(1).

2 ـ لو كان الله مريداً لفعل القبائح التي تصدر من العباد، لكان العاصي مطيعاً لله بفعل القبائح; لأنّ العاصي يكون ـ في حالة عصيانه ـ مؤدّياً لما أراده الله، فيكون بذلك مطيعاً لله(2).

3 ـ من مستلزمات الإرادة: الحبّ والرضا.

فلو جاز أن تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة، جاز أن يحبّ الله هذه الأفعال القبيحة ويرضى بها.

فلمّا لم يجز أن يحبّ الله هذه الأفعال أو يرضى بها، لم يجز أن تتعلّق إرادته بها(3).

4 ـ إذا كان مرجع الإرادة هو الداعي، فلا شك في أنّه تعالى لا داعي له إلى فعل القبيح، فلا تتعلّق إرادته بالفعل القبيح.

وإذا كان مرجع الإرادة أمراً زائداً على الداعي، فلا يمكن أيضاً نسبة إرادة القبيح إلى الله; لأنّ إرادة القبيح قبيحة، وهي بمنزلة فعل القبيح، والله تعالى منزّه عن ذلك.

وبهذا يثبت أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح التي تصدر من العباد(4).

5 ـ لا يرضى الله أن يُفترى عليه أو يُكذّب أنبياؤه، فكيف يريد ذلك؟! فيثبت أنّ

____________

1- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى: الجزء الثالث، ص 387.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الأوّل، ص 89 . غنية النزوع، حمزة الحلبي: ج 2، باب الكلام في العدل، ص 76. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 180. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كونه تعالى مريداً للطاعات و...، ص 269.

2- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 180.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الخامسة، ص 423. الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: القسم الأوّل، المسألة السادسة، البحث الثالث، ص 60.

3- انظر: رسائل الشريف المرتضى: ج 2، باب: الكلام في الإرادة وحقيقتها، ص 231.

4- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش، ص 179.


الصفحة 277

إرادة الله، لا تتعلّق بأفعال العباد القبيحة(1).

6 ـ "إن قالوا: إنّ الذي نريده من الكفّار الإيمان.

قيل لهم: فأيّهما أفضل ما أردتم من الإيمان أو ما أراد الله من الكفر؟

فإن قالوا: ما أراد الله خير مما أردنا من الإيمان.

فقد زعموا أنّ الكفر خير من الإيمان!

وإن قالوا: إنّ ما أردنا من الإيمان خير مما أراده الله من الكفر.

فقد زعموا أنّهم أولى بالخير والفضل من الله!

وكفاهم بذلك خزياً"(2).

وبهذا يثبت عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة.

بعض الآيات القرآنية التي تنزّه الله عن إرادة الفعل القبيح :

1 ـ { شَهِدَ اللهُ أَنّهُ لا إَلهَ إلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العلِْمِ قائِماً بِالقِسطِ } [ آل عمران: 18 ]

2 ـ { وَنَضَعُ الْمَوازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئاً } [ الأنبياء: 47 ]

3 ـ { إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيئاً وَلكِنَّ النّاسَ أَنفُسَهم يَظلِمُون } [ يونس: 44 ]

4 ـ { فَما كانَ اللهُ لِيَظْلمَهُم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُم يَظلِمُون } [ التوبة: 70 ]

5 ـ { إنَّ اللهَ لا يَظلمُ مِثقالَ ذَرَّة } [ النساء: 40 ]

6 ـ { ولا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحداً } [ الكهف: 49 ]

7 ـ { وَما رَبُّكَ بِظَلام للعَبيد } [ فصّلت: 46 ]

____________

1- انظر: رسائل الشريف المرتضى: ج 2، باب: الكلام في الإرادة وحقيقتها، ص 231.

2- رسائل الشريف المرتضى: ج 2، فصل: الإيمان وحقيقة المشيئة، ص 239.


الصفحة 278

8 ـ { وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلماً للعالَمينَ } [ آل عمران: 108 ]


الصفحة 279

المبحث العاشر

كراهة الله لبعض الافعال

معنى الكراهة :

الكراهة هي القصد والميل القاطع نحو ترك الفعل.

الداعي إلى الكراهة :

العلم باشتمال الفعل أو اشتمال بعض خصائصه على المفسدة.

وهذا العلم هو الصارف عن إيجاد الفعل أو إيجاده وفق تلك الخصائص(1).

أقسام كراهة الله لصدور بعض الأفعال :(2)

1 ـ كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من نفسه.

2 ـ كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من عباده.

تنبيهات :

1 ـ لا يصح أن يكره الله شيئاً من أفعاله; لأنّ كراهته تعالى لأيّ فعل تقتضي قبح ذلك الفعل، والله تعالى منزّه عن فعل القبيح.(3)(4)

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25 ـ 26.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الرابع، ص 88 ـ 89 . عجالة المعرفة، محمّد بن سعيد الراوندي: مسألة في الإرادة والاختيار، ص 31. الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الأوّل، ص 67.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25.

3- انظر: الملخّص، الشريف المرتضى، الجزء الثالث، ص 385.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 103.

4- وإنّما يصح من الإنسان أن يكره بعض أفعاله ليصرف نفسه بذلك عن فعلها، وليوطّن نفسه على أن لا يفعلها، وكلّ ذلك لا يجوز عليه تعالى.


الصفحة 280

2 ـ لا يصح أن يكره الله شيئاً مما أراده من أفعال عباده وأمرهم بها; لأنّ كراهيته تعالى لشيء تستلزم قبح ذلك الشيء، وقد علمنا حسن هذه الأفعال نتيجة أمر الله تعالى بها(1).

3 ـ تتمثّل كراهة الله لبعض أفعال عباده في نهيه إيّاهم عنها، ليتركوها على وجه الاختيار(2).

____________

1- انظر: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، ص 104.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 26. الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الأوّل، ص 67.


الصفحة 281

فهرس المطالب / تحميل الكتاب

فهرس المطالب

zip pdf