الصفحة 50

الفصل الثالث

صفات اللّه تعالى

معرفة الله عن طريق صفاته
   توقيفية صفات الله تعالى
   أقسام صفات الله تعالى
   خصائص صفات الله التنزيهيّة
   خصائص صفات الله الثبوتية
   صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات


الصفحة 51

الصفحة 52

المبحث الأوّل

معرفة الله عن طريق صفاته

الغاية من معرفة صفات الله هي معرفة الله; لأنّ الصفات عبارة عن سُبُل للتعبير عن الله وبيان ذاته المقدّسة.

أدلة إمكان معرفة صفات الله تعالى(1) :

1 ـ جعل الله تعالى "صفاته" سبيلاً ليتعرّف العباد عليه، فلو كانت معرفة صفات الله غير ممكنة، لم يبق للعبد سبيلاً لمعرفة ربّه، فتنسد أبواب عبودية الله تعالى لأنّ العبودية لا يمكن القيام بها إلاّ بعد معرفة المعبود.

2 ـ ذكر الله تعالى صفاته في كتابه وسنّة نبيه لكي يتدبّر فيها العباد بعقولهم.

فلو كانت معرفة صفات الله أمراً غير ممكن، لكان ذكر هذه الصفات في القرآن والسنّة والتحريض على التدبّر فيها لغواً يتنزّه عنه تعالى.

3 ـ ما لا يمكن معرفته هو الذات الإلهية، والنهي الذي ورد في بعض الأحاديث واقع على هذه المعرفة، لا على معرفة الصفات التي هي مفاهيم منتزعة من الذات.

مدى معرفته تعالى عن طريق معرفة صفاته :

القول بأنّ صفات الله هي السبيل لمعرفة الله لا يعني أنّ هذه الصفات قادرة على بيان كنه وحقيقة الذات الإلهية، بل هذه الصفات مفاهيم وُضِعت لترشد العباد ـ بمقدار وسعها المحدود ـ إلى معرفة الله الإجمالية. وما هو "محدود" لا يمكنه الكشف الكامل عما هو "غير محدود".

____________

1- انظر: مفاهيم القرآن، جعفر سبحاني: 6 / 9.


الصفحة 53

أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) في هذا المجال :

1 ـ قال الإمام محمّد بن علي الجواد(عليه السلام): "الأسماء والصفات مخلوقات"(1).

2 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "لا وصف يحيط به"(2).

3 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "الله أجلّ من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً"(3).

4 ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليهما السلام): "إنّ الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته"(4).

ومن هذا المنطلق ذهب بعض علمائنا الأعلام إلى القول بأنّه:

ليس المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم كنه وحقيقة الذات الإلهية; لأنّ هذا الفهم غير ممكن.

بل المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه عن الاتّصاف بضدّ هذه الصفات.

مثال ذلك:

"العلم" صفة من صفات الله، ويفهم الإنسان من هذه الصفة معنى معيّناً، ولكن الإنسان من المستحيل أن يعرف كنه وحقيقة معنى "علم الله".

فإذا قيل : ما هو معنى كنه وحقيقة "العلم" الذي تصفون به الله ؟

فالجواب الصحيح: المقصود من "العلم" في هذا المقام: "نفي الضدّ"، أي: "نفي الجهل".

____________

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، كتاب التوحيد، باب معاني الأسماء واشتقاقها، ح 7،ص 116.

2- التوحيد، الشيخ الصدوق، ب 2، ح 26، ص 69.

3- المصدر السابق: باب 34، ح 1، ص 233.

4- الكافي: الشيخ الصدوق: ج 1، كتاب التوحيد، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح 1، ص 100.


الصفحة 54

بعبارة أخرى:

ما يكشف لنا مفهوم "العلم" عن كنه ذات الله أنّه منزّه عن الجهل.

وإلاّ فمن المستحيل للعقل البشري معرفة كنه وحقيقة علم الله تعالى.

أقوال العلماء في هذا المجال :

1 ـ قال الشيخ الصدوق:

"كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته، فإنّما نريد بكلّ صفة منها نفي ضدّها عنه عزّ وجلّ"(1).

2 ـ قال المحقّق السيوري:

"ليس من المعقول لنا من صفاته إلاّ السلوب..."(2).

3 ـ قال العلاّمة المجلسي:

"[ يجب ] نفي تعقّل كنه ذاته وصفاته تعالى... لمّا كان علمه تعالى غير متصوّر لنا بالكنه، وأنّا لمّا رأينا الجهل فينا نقصاً نفيناه عنه، فكأنّا لم نتصوّر من علمه تعالى إلاّ عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنّما يرجع إلى نفي الجهل لأنّا لم نتصوّر علمه تعالى إلاّ بهذا الوجه"(3).

4 ـ قال السيّد عبدالله شبر:

"المقصود من الصفات الثبوتية نفي أضدادها، إذ صفاته تعالى لا كيفية لها ولا سبيل إلى إدراكها"(4).

تنبيه :

القول بنفي الضدّ عند تفسير صفات الله الثبوتية والكمالية لا يعني نفي هذه الصفات عنه تعالى، وإنّما هو ناظر إلى أمر تعقّل وإدراك هذه الصفات الإلهية.

____________

1- الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق: باب الاعتقاد في صفات الذات وصفات الأفعال، ص7 .

2- الباب الحادي عشر، للعلاّمة الحلّي، شرح: مقداد السيورى: الفصل الثالث، ص 49.

3- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج4، أبواب أسمائه تعالى، باب 1، ذيل ح 1، ص 157.

4- حق اليقين، عبدالله شبر: كتاب التوحيد، الفصل الثالث، ص 41.


الصفحة 55

المبحث الثاني

توقيفية صفات الله تعالى

لا يجوز توصيف الله إلاّ بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه أو عن طريق حججه من خلفاء نبيّه، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّد(عليهم السلام) وهو مذهب الإمامية(1).

أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) حول توقيفية صفات الله تعالى :

1 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "ما دلّك القرآن عليه من صفته [ عزّ وجلّ ] فاتّبعه، ليوصل بينك وبين معرفته، وأتمّ به، واستضىء بنور هدايته...

وما دلّك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه، ولا في سنّة الرسول وأئمة الهدى أثره، فكِل علمه إلى الله عزّ وجلّ، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك"(2).

2 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "... إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعزّ... ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان"(3).

3 ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): "... صفوه [ عزّ وجلّ ] بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك"(4).

4 ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) لأحد أصحابه: "لا تتجاوز في

____________

1- انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول 19: القول في الصفات، ص 53.

2- التوحيد، الشيخ الصدوق، باب 2، ح 13، ص 55.

3- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح 1، ص 100.

4- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح 6، ص 102.


الصفحة 56

التوحيد ما ذكره الله تعالى في كتابه فتهلك"(1).

5 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون"(2).

6 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك... اللّهم لا أصفك إلاّ بما وصفت به نفسك"(3).

7 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): لأحد أصحابه حول توصيف الله تعالى: "لا تجاوز ما في القرآن"(4).

8 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله"(5).

صحّة توصيف الله تعالى بأ نّه شيء :

1 ـ سئل الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "أيجوز أن يقال: إنّ الله عزّ وجلّ شيء؟

قال(عليه السلام): "نعم يخرجه عن الحدّين حدّ التعطيل وحدّ التشبيه"(6).

2 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول الله تعالى: "هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي: "شيء" إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنّه لا جسم ولا صورة..."(7).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 3، ح 32، ص 74.

2- المصدر السابق: باب 2، ح 18، ص 60.

3- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى، ح 3، ص 101.

4- المصدر السابق، ح 7، ص 102.

5- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج 4، كتاب التوحيد، باب 5، ح 31، ص 53.

6- التوحيد، الشيخ الصدوق، باب 7، ح 1، ص 101 ـ 102.

7- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، باب إطلاق القول بأنّه شيء، ح 6، ص 83 .


الصفحة 57

3 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "كلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله تعالى فهو مخلوق"(1).

____________

1- المصدر السابق، ح 5، ص 83 .


الصفحة 58

المبحث الثالث

أقسام صفات الله تعالى

1 ـ الصفات السلبية (الجلالية) (التنزيهية):

وهي الصفات التي يجب سلبها عن الله تعالى; لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله تعالى، من قبيل: الاحتياج، التركيب، والتجسيم.

2 ـ الصفات الثبوتية (الجمالية) (الكمالية):

وهي الصفات الثابتة لله تعالى، والمثبتة له كلّ وصف يعدّ كمالاً له تعالى.

وتنقسم صفات الله الثبوتية إلى قسمين(1) :

1 ـ الصفات الذاتية:

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الذات الإلهية فقط، ومن دون لحاظ أي شيء آخر.

مثال ذلك: الحياة، العلم، القدرة.

2 ـ الصفات الفعلية:

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الأفعال الإلهية.

أي: هي الصفات التي يتّصف بها الله من خلال الأفعال الصادرة عنه .

مثال ذلك: الخالق، الرازق، الغافر.

وتنقسم صفات الله الذاتية إلى قسمين :

1 ـ حقيقية محضة:

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: صفات الله، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال، ص 41.


الصفحة 59

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء.

ومثالها صفة الحياة.

2 ـ حقيقية ذات إضافة:

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء، ولكنّها تتطلّب في تأثيرها الخارجي لحاظ أمر إضافي.

ومثالها صفة القدرة والعلم حيث لا يتحقّق أثرهما إلاّ بوجود مقدور ومعلوم.


الصفحة 60

المبحث الرابع

خصائص صفات الله التنزيهيّة

صفات الله التنزيهيّة عبارة عن الصفات التي يجب تنزيه الله عنها; لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله عزّ وجلّ.

خصائص الصفات السلبية :

1 ـ وجه إطلاق كلمة "السلب" على هذه الصفات هو باعتبار لزوم سلبها عن الذات الإلهية.

2 ـ الصفات التنزيهيّة مهما تعدّدت وتنوّعت فإنّ مرجعها واحد، وهو تنزيه اللّه عن الفقر والاحتياج .

3 ـ إنّ السبب الأساس الدال على نفي الصفات التنزيهيّة عنه تعالى هو استحالة اتّصافه تعالى بهذه الصفات; لأنّه تعالى كامل ولا سبيل للنقص إليه.

لهذا تتلخّص الصفات التنزيهيّة في عبارة واحدة، وهي:

"إنّ ذات الله تعالى منزّهة عن النقص من جميع الجهات".

4 ـ تنقسم الصفات التنزيهيّة إلى قسمين:

أوّلاً: ما لفظه لفظ الإثبات ومعناه النفي وهو:

الف ـ وصفه تعالى بصفة "الغني" التي تعني أنّه ليس بمحتاج.

ب ـ وصفه تعالى بصفة "الواحد" التي تعني أنّه لا ثاني له في وجوب الوجود.

ثانياً: ما لفظه ومعناه النفي، من قبيل نفي التركيب، الجسمانية، التشبيه، والمكان و... عنه تعالى(1).

____________

1- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثالث: ص 54 ـ 56.


الصفحة 61

الصفحة 62

المبحث الخامس

خصائص صفات الله الثبوتية

تنقسم صفات الله الثبوتية ـ كما ذكرنا في المبحث الثالث من هذا الفصل ـ إلى صفات الله الذاتية وصفات الله الفعلية.

خصائص صفات الله الذاتية :

1 ـ ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

وإنّما هي مختلفة مع الذات في "معانيها ومفاهيمها" لا في "حقائقها ووجوداتها".

أي: هذه الصفات زائدة على ذاته تعالى من الناحية "الذهنية" لا من الناحية "الواقعية".

2 ـ لا يصح أبداً سلب هذه الصفات من الله تعالى، ولهذا لا يصح سلب صفة العلم أو القدرة عن الله تعالى في جميع الأحوال.

خصائص صفات الله الفعلية :

1 ـ لا يوصف الله بهذه الصفات قبل قيامه بالفعل المرتبط بهذه الصفات، ولهذا:

لا يوصف الله بصفة "الخالق" قبل أن يخلق.

ولا يوصف الله بصفة "الرازق" قبل أن يرزق(1).

2 ـ يصح سلب هذه الصفات عنه تعالى في بعض الأحوال، ومثاله:

يصح أن يقال بأنّه تعالى خلق هذا، ولم يخلق ذاك.

يصح أن يقال بأنّه تعالى رزق هذا، ولم يرزق ذاك(2).

____________

1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: صفات الله، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال، ص 41.

2- انظر، المصدر السابق.


الصفحة 63

3 ـ تعدّ هذه الصفات من أفعاله تعالى لا من ذاته تعالى.

وما يرتبط منها بالذات الإلهية أنّه تعالى قادر على فعل ما هو ممكن في جميع الأحوال.

4 ـ لا توجب صفات الله الفعلية كمالاً لله تعالى.

دليل ذلك:

إنّ الصفات التي توجب الكمال يجب أن تكون:

أوّلاً ـ حقائق عينية لها واقع خارجي.

ثانياً ـ غير زائدة عن الذات الإلهية.

ولكن صفات الله الفعلية، عبارة عن صفات:

أوّلاً: اعتبارية يتم انتزاعها من مقام الفعل.

ثانياً: متأخّرة عن رتبة الذات.

وما هو اعتباري وانتزاعي ومتأخّر عن رتبة الذات لا يصلح أن يكون كمالاً للذات.

إذن:

عدم اتّصاف الله تعالى بالصفات الفعلية لا يوجب النقص للذات الإلهية.

وإنّما الذات الإلهية كاملة بذاتها، ولا توجب لها صفات الفعل أيّ كمال.

بعبارة أخرى:

صفات الله الفعلية "ناشئة" من كمال الذات الإلهية، لا أنّها "موجبة" لكمال الذات الإلهية.

الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل :

1 ـ صفات الذات منتزعة من الذات وتحكي عنها.

صفات الفعل منتزعة من مقام الفعل وهي مغايرة للذات.

2 ـ صفات الذات قديمة بقدم الذات الإلهية.

صفات الفعل حادثة بحدوث الأفعال الإلهية.


الصفحة 64

3 ـ صفات الذات غير متناهية; لأنّها عين الذات.

صفات الفعل متناهية ومحدودة; لأنّها زائدة على الذات.

4 ـ صفات الذات لا يصح سلبها عن الله تعالى أبداً.

فلهذا لا يوصف الله بعدم العلم أو عدم القدرة في أيّ حال.

صفات الفعل يصح سلبها عن الله تعالى أحياناً.

فلهذا يمكن القول بأنّه تعالى: يخلق ولا يخلق، يرزق ولا يرزق(1).

____________

1- انظر: الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل، ص 111.

تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد، صفات الله، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال، ص 41 .


الصفحة 65

المبحث السادس

صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات؟

أهم أقوال المسلمين حول صفات الله الذاتية:

1 ـ قول بعض المعتزلة: نيابة الذات عن الصفات.

2 ـ قول بعض المعتزلة: القول بالأحوال.

3 ـ قول الكرامية: الزيادة والحدوث.

4 ـ قول الأشاعرة: الزيادة والقدم.

5 ـ قول الإمامية: عينية الصفات والذات.

القول الأوّل (قول بعض المعتزلة) : نيابة الذات عن الصفات

أنكر أصحاب هذا القول اتّصاف الذات الإلهية بالصفات، وقالوا بنيابة الذات عن الصفات.

أي: ليس للّه صفة، وإنّما ذاته تعالى هي التي تقوم مقام الصفة "فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة"(1).

يرد عليه :

1 ـ يستلزم هذا القول خلو الذات عن الصفات الكمالية، وهو باطل(2).

2 ـ القرآن والسنّة يثبتان الصفات لله، ولا يوجد أيّ دليل لصرف هذه النصوص عن ظواهرها.

____________

1- انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبدالجبار: فصل والغرض به الكلام في كيفية استحقاقه تعالى لهذه الصفات، ص 183.

الملل والنحل للشهرستاني ّ، الباب الأوّل، الفصل الأوّل، ص44 .

2- قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الحادي عشر، ص 101.


الصفحة 66

القول الثاني (قول بعض المعتزلة) : القول بالأحوال(1)

يذهب أتباع هذا الرأي إلى وجود واسطة بين الوجود والعدم، وهي ثابتة، وسمّوها "الحال"، وقالوا بأنّ صفات الله الحقيقية أحوال، والأحوال لا يكون لها ذات، فلهذا لا تكون "موجودة" ولا "معدومة"، بل هي "حال".

يرد عليه :

يحكم العقل بأنّ كلّ أمر مفروض لا يخلو من الوجود أو العدم ولا واسطة بينهما.

القول الثالث (قول الكرامية) : الزيادة والحدوث(2)

ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية صفات حادثة وهي قائمة به .

يرد عليه :(3)

1 ـ إذا كانت صفات الله الأزلية حادثة، فهي لا تخلو من أمرين:

الأوّل: هي التي أوجدت نفسها، وهذا محال.

الثاني: أنّ الغير أوجدها، وهذا الغير لا يخلو من أمرين:

الأوّل: هو غير الله، فلابدّ أن ينتهي إلى الله وإلاّ لزم التسلسل، وهو محال.

الثاني: هو الله تعالى، فيلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً له; لأنّ الله تعالى ـ وفق هذا الرأي ـ كان فاقداً لها قبل إحداثها، وهذا باطل.

2 ـ يلزم اتّصاف الله بصفات حادثة افتقاره تعالى إلى غيره، والباري منزّه عن جميع أنواع الاحتياج والافتقار.

____________

1- يذهب أبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى هذا الرأي.

انظر: محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين، لفخر الدين الرازي: القسم الثاني في الصفات، ص 180.

2- ينسب هذا القول إلى أتباع محمّد بن كرام السجستاني (225 هـ).

انظر: الملل والنحل للشهرستاني ج1، الباب الأوّل: المسلمون، الفصل الثالث: الصفاتية، 3 ـ الكرامية ص 108.

3- انظر: اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الأوّل، الفصل السابع، ص106 .


الصفحة 67

القول الرابع (قول الأشاعرة) : القول بالقدم والزيادة(1)

قال الفضل بن روزبهان: "مذهب الأشاعرة أنّه تعالى له صفات، موجودة، قديمة، زائدة على ذاته، فهو عالم بعلم، وقادر بقدرة، ومريد بإرادة..."(2).

ثم ذهب إلى أنّ معنى "الزيادة على الذات" هو: "لا هي عين الذات ولا غيرها"(3).

وقال أبو الحسن الأشعري: "الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة، حيّ بحياة...، وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى، لا هي هو، ولا هي غيره، ولا: لا هو، ولا: لا غيره!"(4).

يرد عليه :

1 ـ إذا كانت صفات الله "زائدة" على الذات، فإنّها ستكون "مغايرة" لذاته تعالى.

وإذا كانت صفات الله "عين" الذات، فإنّها ستكون "غير مغايرة" لذاته تعالى.

وأمّا القول بأنّ صفات الله: "لا هي عين الذات ولا غيرها"، فإنّه كلام ينتهي إلى ارتفاع النقيضين، وهو باطل.

2 ـ يلزم قول الأشاعرة أن يكون مع الله تعالى قدماء كُثُر بقدر صفاته، وهذا محال.

لهذا قال الفخر الرازي في مقام ردّه على قول الأشاعرة:

"إنّ النصارى كفروا لأنّهم أثبتوا قدماء ثلاثة، وأصحابنا أثبتوا تسعة قدماء،

____________

1- انظر: المواقف، عضدالدين الأيجي، بشرح: الشريف الجرجاني : ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، المقصد الأوّل، ص 68.

شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج 4، المقصد السادس، الفصل الثالث، المبحث الأوّل: الصفات زائدة على الذات، ص 69.

2- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج 2، صفاته عين ذاته، المبحث الثامن، ص 270.

3- المصدر السابق، ص 273.

4- الملل والنحل، الشهرستاني: ج 1، الباب الأوّل، الفصل الثالث، ص 95.


الصفحة 68

الذات وثماني صفات!"(1).

3 ـ لو كان الله باقياً ببقاء قائم بذاته، لكان تعالى ممكناً; لأنّ البقاء هو الوجود المستمر، فلو كان استمرار وجوده مستنداً إلى سوى ذاته كان ممكناً(2).

4 ـ إذا كان مقصود الأشاعرة من قيام صفاته تعالى بذاته حلول هذه الصفات فيه تعالى فهو محال.

وإذا كان مقصودهم إثبات الأحوال كما أثبته بعض المعتزلة وذكرناه في القول الثاني آنفاً، فهو أيضاً باطل(3).

فلا يبقى للأشاعرة سوى القول بزيادة الصفات على الذات، وهذا ما سنبيّن بطلانه لاحقاً.

أدلة بطلان زيادة صفات الله الحقيقية على ذاته :

1 ـ إذا كانت صفات الله الحقيقية زائدة على ذاته، فهي لا تخلو من أمرين(4):

أولاً: أن تكون قديمة، فيلزم منه تعدّد القدماء، وهذا ما تبطله أدلة وحدانية الله تعالى.

ثانياً: أن تكون حادثة، فيلزم خلو الذات الإلهية قبل إحداثها، كما نواجه مشكلة مَن أحدثها، وقد بيّنا ذلك آنفاً عند الردّ على قول الكرامية.

2 ـ يلزم القول بالزيادة أن تكون الذات خالية من العلم والقدرة في مرتبة الذات، ويلزم هذا الخلو كونه تعالى ناقصاً في ذاته، وهذا ما لا يليق بالذات الإلهية، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته.

3 ـ يلزم القول بالزيادة اتّصاف الله بالاحتياج والافتقار إلى غيره; لأنّ معنى

____________

1- انظر: الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: الفصل الأوّل، المسألة الخامسة: ص 51.

2- انظر: المصدر السابق.

3- انظر : المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي ، ج 1 ، الردّ على الفرق المخالفة في التوحيد ، ص 139 ـ 140 .

4- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 29: باب أسماء الله تعالى...، ذيل ح 14، ص 217.

الرسائل العشر، الشيخ الطوسي: المسألة 20، ص 96.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: الرد على الفرق المخالفة في التوحيد، ص 139.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الثالث، ص 208.


الصفحة 69

القول بالزيادة:

أنّ الله تعالى يحيى بحياة غير ذاته.

وأنّ الله تعالى يعلم بالعلم الذي هو غير ذاته.

وأنّ الله تعالى قادر بالقدرة التي هي خارجة عن حقيقته.

ويلزم ـ في جميع هذه الأحوال ـ أن لا يكون الله غنياً بذاته، بل يكون محتاجاً إلى غيره، ولكن الله تعالى منزّه عن الاحتياج، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته(1).

4 ـ يلزم القول بالزيادة أن يكون الله مركّباً من ذات وصفات قديمة، ولكنّه تعالى يستحيل أن يكون مركّباً; لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه، وكلّ محتاج يكون ممكناً(2).

موقف أهل البيت(عليهم السلام) من القول بالزيادة والقدم :

1 ـ عن أبان بن عثمان الأحمر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد(عليه السلام): إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت، يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع وبصيراً ببصر وعليماً بعلم وقادراً بقدرة.

فغضب(عليه السلام)، ثمّ قال: "من قال ذلك ودان به فهو مشرك، وليس من ولايتنا على شيء، إنّ الله تبارك وتعالى ذات علامة، سميعة، بصيرة، قادرة"(3).

2 ـ عن الحسين بن خالد، قال: سمعت الرضا علي بن موسى(عليهما السلام) يقول: "لم يزل الله تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً".

فقلت له: يابن رسول الله إنّ قوماً يقولون: إنّه عزّ وجلّ لم يزل عالماً بعلم، وقادراً

____________

1- انظر: الرسالة السعدية، العلاّمة الحلّي: الفصل الأوّل، المسألة الخامسة، ص 50. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة 19، ص 410.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري، مباحث التوحيد، مسألة نفي المعاني والأحوال، ص 217.

2- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الوحدانية، ص 197.

3- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 11، باب صفات الذات وصفات الفعل، ح 8 ، ص 139.


الصفحة 70

بقدرة، وحياً بحياة، وقديماً بقدم، وسميعاً بسمع، وبصيراً ببصر.

فقال(عليه السلام): "من قال ذلك، ودان به، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من ولايتنا على شيء..."(1).

3 ـ قال الإمام علي(عليه السلام) حول الله تعالى: "كمال الإخلاص له نفي الصفات [ أي: الصفات الزائدة ] عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة.

فمن وصف الله سبحانه [ أي: وصفه بوصف زائد على ذاته ] فقد قرنه [ أي: قرن ذاته بشيء غيرها ].

ومن قرنه فقد ثنّاه [ أي: من قرنه بشيء من الصفات الزائدة فقد اعتبر في مفهومه أمرين: أحدهما الذات والآخر الصفة ].

ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه جهله"(2).

تنبيه :

لا يخفى أنّ الإمام(عليه السلام) ـ كما بيّنا أثناء ذكر خطبته ـ عندما قال "كمال الإخلاص نفي الصفات عنه"، لم يقصد نفي مطلق الصفات عنه تعالى، بحيث لا نصفه تعالى بالعلم والقدرة وغير ذلك من صفات الكمال; لأنّ الإمام(عليه السلام) أثبت وجود الصفات لله تعالى في بداية هذه الخطبة، وقال حول الله تعالى: "الذي ليس لصفته حدّ محدود".

فنستنتج بأنّ مقصود الإمام من نفي الصفات هو نفي الصفات المحدودة، أي: نفي الصفات الزائدة على ذاته، ثم بيّن الإمام(عليه السلام) أسباب ذلك في تكملة خطبته.

القول الخامس (قول الإمامية) : القول بأنّ صفات الله تعالى عين ذاته(3)

يذهب أتباع هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية عين ذاته.

أي: ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

____________

1- المصدر السابق، ح 3، ص 135.

2- نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة الأولى، ص 14.

3- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلي: المقصد الثالث، الفصل الثانى.، المسألة 19، ص 410، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، كون صفاته تعالى أزلية، ص 222


الصفحة 71

وأنّ هذه الصفات على رغم تعدّد مفاهيمها في الصعيد الذهني والاعتباري، فإنّها تشير إلى مصداق ووجود واحد في الواقع الخارجي، وذلك الوجود الواحد هو الذات الإلهية(1).

دليل ذلك :

كلّ ما دل على بطلان زيادة الصفات على الذات بدوره دليل على عينية الصفات والذات.

توضيح ذلك:

1 ـ لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم احتياجه تعالى في صفاته إلى ما سواه وافتقاره إلى شيء وراء ذاته، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

2 ـ لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم خلو ذاته تعالى من العلم والقدرة في مرتبة الذات، وهذا لا يليق بالذات الإلهية، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

3 ـ لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم أن تكون الذات مركّبة من أجزاء، والتركيب مستحيل عليه تعالى، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

بيان معنى كون صفاته تعالى عين ذاته :

من أهم الأمور التي تساعد على فهم معنى كون صفاته تعالى عين ذاته هي مسألة فهم "المفهوم والمصداق".

المفهوم: مجموع الصفات والخصائص الموضّحة لمعنى كلّي(2).

المصداق: الفرد الذي يتحقّق فيه معنى كلّي(3).

____________

1- هذا القول لا يعني مقولة النيابة; لأنّ النيابة مبنية على نفي الصفات الكمالية كالعلم والقدرة، ولكن هذا القول يعترف بوجود هذه الصفات الكمالية في مقام الذات.

انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول في الصفات، ص 52.

2- انظر: المعجم الوسيط: مادة (ف ه م).

3- انظر: المصدر السابق: مادة (ص د ق).


الصفحة 72

تنبيه :

من الأمور المهمّة التي ينبغي الالتفات إليها أنّ المصداق الواحد يصح أن تطلق عليه العديد من المفاهيم.

مثاله:

إنّ الإنسان بكلّ وجوده "مخلوق" لله تعالى.

وهو أيضاً بكلّ وجوده "معلوم" لله تعالى.

ففي هذا المقام: الإنسان "مصداق" واحد.

و"مخلوق" و "معلوم" "مفهومان" يطلقان على هذا "المصداق" الواحد.

وهذا الإطلاق لا يعني:

جزء من ذات الإنسان مخلوق لله تعالى.

وجزء آخر من ذات هذا الإنسان معلوم لله تعالى.

بل:

هذا الإنسان بكلّ وجوده مخلوق لله تعالى.

وهو في نفس الوقت بكلّ وجوده معلوم لله تعالى.

ولا يخفى بأنّ مفهوم "مخلوق" مغاير لمفهوم "معلوم".

وهما على رغم هذا التغاير من ناحية "المفهوم" يطلقان على "مصداق" واحد.

بيان المفهوم والمصداق الإلهي :

1 ـ وجود الله تعالى واحد، ولكن ينتزع منه بالنظر إلى تجلّياته المختلفة مفاهيم كثيرة.

أي: إنّ لله تعالى حقيقة واحدة، وتعتبر صفاته الذاتية كلّها مفاهيم تعبّر عن مصداق واحد، هو الله تعالى.

2 ـ تعدّد الصفات لا يستلزم التركيب في ذاته تعالى; لأنّ كلّ صفة من صفاته تعالى لا تشكّل جزءاً خاصاً من ذاته تعالى، بل كلّ واحدة من هذه الصفات تشكّل تمام الذات، والكثرة هنا تكون في عالم المفهوم دون الواقع الخارجي الذي هو


الصفحة 73

المصداق.

3 ـ أوصاف العلم والقدرة والحياة أوصاف مشتركة بين الله تعالى والإنسان من حيث المفهوم ولكنّها تختلف من حيث المصداق.

فهذه الأوصاف في الإنسان ممكنة، فقيرة، محدودة، مجسّمة، ولكنّها في الله تعالى واجبة غنية لا متناهية.

والله تعالى في المصداق { ليس كمثله شيء } [ الشورى: 11 ]

4 ـ السبب في فهم الإنسان لله الواحد الحقيقي البسيط بمجموعة مختلفة من المفاهيم يعود إلى الإنسان ذاته وإلى تركيبة جهازه الإدراكي; لأنّ دأب العقل أنّه لا يستوعب الحقيقة التي يواجهها إلاّ بعد تجزئتها(1).

5 ـ المفاهيم أوعية محدودة، ويبقى الإنسان مقيّداً بهذه الحدود في معرفته التوحيدية، وتبقى الذات الإلهية فوق جميع التصوّرات.

أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) المبيّنة بأنّ صفات الله عين ذاته :

1 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم، وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور(2).

2 ـ عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال في صفة القديم: إنّه واحد صمد أحدي المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة.

قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يبصر، يبصر بغير الذي يسمع.

____________

1- انظر: التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري، جواد علي كسار: 1 / 177 ـ 187 .

2- الكافي، الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، ح 1، ص 107.

التوحيد، الصدوق: باب 11، ح1، ص 134، 135.


الصفحة 74

قال: كذبوا وألحدوا وشبّهوا، تعالى الله عن ذلك، إنّه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع(1).

3 ـ جاء في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبدالله(عليه السلام): أنّه قال له: أتقول: إنّه سميع بصير؟

فقال أبو عبدالله(عليه السلام): هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي: إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض لأنّ الكل لنا [ له ] بعض، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك كلّه إلاّ أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى"(2).

ردّ الإشكالات الواردة على القول بالعينية :

الإشكال الأوّل :

لو قلنا بأنّ صفات الله عين ذاته لما صح عندئذ حمل أيّة صفة من الصفات على الذات; لأنّه يشترط في صحة حمل شيء على شيء أن يكون هناك نوع تغاير بينهما، وإلاّ لكان من قبيل حمل الشيء على نفسه، وهو باطل(3).

يرد عليه :

المقصود من القول بأنّ صفاته تعالى عين ذاته:

أنّها عين الذات من ناحية المصداق.

لا أنّها عين الذات من ناحية المفهوم.

بل الصفات مغايرة للذات من ناحية المفهوم.

____________

1- الكافي، الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب آخر وهو من الباب الأوّل، ح 1، ص 108.

2- المصدر السابق، ح 2، ص 108 ـ 109.،

3- انظر: المواقف، عضدالدين الايجي، شرح: الشريف الجرجاني: ج 3، الموقف الخامس، المرصد الرابع، المقصد الأوّل، ص 69.


الصفحة 75

ولوجود هذه المغايرة في المفهوم يصح حمل الصفات على الذات(1).

الإشكال الثاني :

لو كان العلم نفس الذات ، والقدرة نفس الذات ، لكان العلم نفس القدرة ، وهذا واضح البطلان(2).

يرد عليه(3) :

المقصود من القول: بأنّ "العلم" نفس الذات، و "القدرة" نفس الذات هو: أنّ مصداق "العلم" ومصداق "القدرة" في الله تعالى واحد.

وأمّا في صعيد المفهوم:

فلا يخفى بأنّ مفهوم "العلم" مغاير لمفهوم "القدرة".

ولا يصح القول بأنّ مفهوم "العلم" نفس مفهوم "القدرة".

وانّما يصح القول بأنّ هذين المفهومين يطلقان على مصداق واحد.

وكما بيّنا لا إشكال في إطلاق مفاهيم متعدّدة على مصداق واحد.

بعبارة أخرى:

عندما نقول "العلم" و "القدرة" نفس الذات، فالمقصود:

إنّ "العلم" و "القدرة" مفهومان يطلقان على مصداق واحد، وهذا المصداق هو ذات الله تعالى.

وليس المقصود: أنّ مفهوم "العلم" نفس مفهوم "القدرة" ليرد عليه الإشكال المذكور.

____________

1- انظر: المصدر السابق.

2- انظر: المصدر السابق: ص 70.

3- انظر: المصدر السابق.


الصفحة 76

الإشكال الثالث :

لو كان علمه تعالى عين ذاته لصح القول: يا علم الله اغفر لي وارحمني(1).

يرد عليه :

المقصود من القول بأنّ علمه تعالى عين ذاته: أنّ مصداق "العلم" ومصداق "الذات" واحد.

وليس المقصود: أنّ مفهوم "العلم" ومفهوم "الذات" واحد.

ولهذا لا يصح استعمال مفهوم "العلم" بدل مفهوم "الذات" فيما لو كان المقصود الإشارة إلى مفهوم "الذات"; لأنّ ما يفهم من "العلم" غير ما يفهم من "لفظ الجلالة".

أضف إلى ذلك:

إنّ "العلم" مصدر، ولا يصح في اللغة أن ينادى المسمّى بالمصدر، بل الصحيح أن ينادى المسمّى بالاسم.

ولهذا فالصحيح أن نقول: يا عليم اغفر لي وارحمني.

____________

1- الإبانة، أبو الحسن الأشعري: الباب الثامن، الفصل الثاني، ص 109.


الصفحة 77

الفصل الرابع

صفات اللّه التنزيهيّة
(حسب الحروف الألفبائية)

الاتّحاد                     الرؤية
   الاحتياج                    الزمان
   التركيب                    الشبيه
   الجسمانية                  الشريك
   الجهة                      الضدّ
   الجوهروالعرض            الكيفيات المحسوسة
   الحدّ                       اللذة والألم
   الحركة والسكون           المثيل
   الحلول                     المكان
   الحوادث


الصفحة 78

الصفحة 79

(1)
الصفات التنزيهيّة

الاتّحاد

الاتّحاد عبارة عن صيرورة الشيئين شيئاً واحداً من غير زيادة ولا نقصان(1).

القائلون بالاتّحاد :

1 ـ النصارى: قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بالمسيح، أو قالوا باتّحاد الأقانيم الثلاثة الأب والابن وروح القدس(2).

2 ـ الصوفية: قالوا بأنّ الله تعالى يتّحد بالعارف عندما يصل العارف في سيره وسلوكه إلى مرحلة الفناء في الله تعالى(3).

3 ـ النصيرية: قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بعلي بن أبي طالب(عليه السلام)(4).

أدلة نفي اتّحاده تعالى بالأشياء :

1 ـ الاتّحاد بنفسه محال; لأنّ الأقسام المتصوّرة بعد فرض اتّحاد شيئين عبارة

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 29.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثاني، البحث السادس، ص 74.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، ص 223.

2- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثاني، البحث السادس، ص 74.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الخامس، ص 205.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، الدليل على نفي الاتّحاد، ص 238.

3- انظر: المصدر السابق.

قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، لا يجوز عليه الاتّحاد، ص 72.

4- انظر : الملل والنحل ، محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني : ج 1 ، الباب الأوّل، الفصل السادس، النصيرية ، ص 188 .


الصفحة 80

عن:

أوّلاً: بقاء الشيئين موجودين على ما كانا عليه: فلا اتّحاد بينهما; لأنّهما في هذه الحالة اثنان متمايزان لا واحد.

ثانياً: انعدام الشيئين معاً وإيجاد شيء ثالث: فلا اتّحاد بينهما; لأنّ المعدوم لا يتّحد بالمعدوم.

ثالثاً: انعدام أحدهما وبقاء الآخر: فلا اتّحاد بينهما; لأنّ المعدوم لا يتّحد بالموجود(1).

2 ـ الأقسام المتصوّرة للشيء قبل اتّحاد الله تعالى به:

أ : واجب الوجود: فيلزم تعدّد الواجب، وهو محال.

ب : ممكن الوجود: فالشيء الحاصل بعد الاتّحاد لا يخلو من أمرين:

الأوّل: واجب الوجود: فتكون النتيجة أن يصبح الممكن واجباً.

الثاني: ممكن الوجود: فتكون النتيجة أن يصبح الواجب ممكناً.

وكلاهما باطل، فيثبت بطلان اتّحاد الباري بغيره(2).

____________

1- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، لا يجوز عليه الاتّحاد، ص 71. المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثالث، ص 65. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثاني، البحث السادس، ص 74. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة (14)، ص 407. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الخامس، ص 205. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، الدليل على نفي الاتّحاد، ص 238.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 29 ـ 30.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة (14)، ص 407.


الصفحة 81

(2)
الصفات التنزيهيّة

الاحتياج

أدلة نفي الاحتياج عنه تعالى:

1 ـ إنّ الله تعالى غني عن الغير في كلّ شيء.

لأنّ الاحتياج من صفات الممكنات، وواجب الوجود منزّه عن الاحتياج(1).

2 ـ إنّ الله تعالى قديم، والقديم هو الذي يتقدّم على الكل فيكون غنيّاً عن الكل.

قال تعالى: { يا أيّها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } [ فاطر : 15 ]

تنبيه :أقسام الاحتياج:

1 ـ في الذات: كاحتياج الأثر إلى الموثِّر.

2 ـ في الصفات: كاحتياج القادر ـ في كونه قادراً ـ إلى القدرة.

3 ـ في جلب المنافع ودفع المضار.

والله تعالى غني في جميع هذه الأقسام:

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 31.

عجالة المعرفة في أصول الدين، محمّد بن سعيد الراوندي: فصل في الصانع وصفاته، ص 30. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة (17)، ص 408. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الثاني عشر، ص 219.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، كونه تعالى غنيّاً، ص 239.


الصفحة 82

1 ـ إنّه تعالى غني بذاته; للأدلة الواردة أعلاه.

2 ـ إنّه تعالى غني بصفاته; لأنّ صفاته عين ذاته.

3 ـ إنّه تعالى لا يصح عليه النفع والضرر.

لأنّ النفع والضرر لا يجوزان إلاّ على من يلتذ ويتألّم.

واللذة والألم لا يجوزان إلاّ على صاحب الشهوة والنفور.

والشهوة والنفور من خواص الأجسام .

والله تعالى منزّه عن الجسمانية(1).

____________

1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضي: وجوب كونه تعالى غنياً، ص 71.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة: في كونه تعالى غنياً، ص 87 .

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الرابع، ص 74.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثالث، ص 54.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الثاني عشر، ص 218.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، كونه تعالى غنياً، ص 238 ـ 239.


الصفحة 83

(3)
الصفات التنزيهيّة

التركيب

أقسام التركيب:(1)

1 ـ التركيب الخارجي: وهو التركيب من الأجزاء الخارجية، وهذه الأجزاء:

عند الفلاسفة: متكوّنة من المادة والصورة.

وعند علماء الطبيعة: متكوّنة من المادة والصورة والأجزاء العنصرية والذرية.

2 ـ التركيب الذهني: وهو التركيب من الأجزاء العقلية، من قبيل: الوجود والماهية والجنس والفصل.

3 ـ التركيب من الجهات والحيثيات، كحيثية الذات والصفة في الصفات الزائدة على ذاته تعالى.

4 ـ التركيب من الأجزاء الوهمية كأجزاء الخط والسطح والجسم.

والله تعالى منزّه عن جميع أنواع التركيب.

أدلة نفي التركيب في ذات الله تعالى :

1 ـ المركّب يحتاج ويفتقر إلى أجزائه، ولكن الله تعالى ـ كما ثبت سابقاً ـ منزّه عن الاحتياج والافتقار(2).

____________

1- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة العاشرة، ص 406.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، استحالة التركيب في ذاته تعالى، ص 225.

قواعد العقائد، نصير الدين الطوسي: الباب الثاني: في صفاته تعالى، الصفات السلبية ص 68، هامش رقم (1 ) لمحقق الكتاب علي الرباني الكلبايكاني.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأول، ص 30.

قواعد العقائد: نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، الصفات السلبية، ص 68.

كشف الفوائد: العلاّمة الحلي: الباب الثاني، الصفات السلبية، ص 213 ـ 214.

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، مقداد السيوري: الركن الأول، في الصفات السلبية، ص 71.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، استحالة التركيب في ذاته تعالى، ص 224.


الصفحة 84

بعبارة أخرى:

وجود "الجزء" مقدّم على وجود "الكل".

وكلّ "جزء" من المركّب مغاير لغيره.

فيكون المركّب مفتقراً إلى أجزائه.

ولكن الله تعالى هو الغني الذي لا يفتقر إلى غيره(1).

2 ـ إذا كانت الذات الإلهية مركّبة، فإنّ هذه الأجزاء لا تخلو من أمرين:

أوّلاً ـ أجزاء قديمة، فيلزم تعدّد القدماء، وهذا باطل.

ثانياً ـ أجزاء حادثة، فيلزم تركيب الواجب من أجزاء غير واجبة، وهذا باطل.

3 ـ المركّب بحاجة إلى من يركّبه، وهو منفي عن الذات الإلهية.

4 ـ "الكل" مركب من "أجزاء" خارجية يكون ذات جوانب.

وجانبه هذا غير جوانبه الأخرى.

فهو بجانبه هذا منعدم عن الجوانب الأخرى، ويكون بجوانبه الأخرى منعدم عن هذا الجانب.

فيلزم هذا الأمر النقص في جميع الجوانب، وبالتالي يستوجب هذا الأمر النقص والقصور في الذات الإلهية، وهذا باطل(2).

5 ـ لو كان الله تعالى مركّباً من الأجزاء لكان علمه وقدرته ثابتة لكلّ واحدة من أجزائه المتغايرة، فيكون كلّ جزء من الله عالماً قادراً، فتتعدّد الآلهة، وهذا باطل.

____________

1- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الأوّل، المسألة العاشرة، ص 405.

مناهج اليقين، العلامة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الأول، ص 201 ـ 202.

2- انظر: براهين أصول المعارف الإلهية والعقائد الحقّة للامامية، أبو طالب التجليل: معرفة الله، نفي التركيب عنه تعالى، ص 72.


الصفحة 85

(4)
الصفات التنزيهيّة

الجسمانية

الجسم هو الشيء المستلزم للأبعاد الثلاثة، وهي: الطول والعرض والعمق(1).

و "التجسيم" هو الاعتقاد بأنّ الله تعالى جسم.

أدلة تنزيه الله عن الجسمانية :

1 ـ الجسم بطبيعته يحتاج إلى مكان، وبما أنّ الله منزّه عن جميع أنواع الاحتياج، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(2).

2 ـ الجسم بطبيعته يتأثّر بالحوادث، فلو كان الله جسماً لما انفك عن الأمور الحادثة من قبيل الحركة والسكون، وكلّ ما لا ينفك عن هذه الأمور فهو حادث، ولكنّه تعالى أزلي قديم، فيثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(3).

3 ـ الجسم بطبيعته محدود، فلو كان الله جسماً لكان محدوداً، وبما أنّه تعالى منزّه عن المحدودية، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(4).

4 ـ الجسم بطبيعته مركّب، فلو كان الله جسماً لكان مركباً، وبما أنّه تعالى منزّه عن التركيب، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(5).

____________

1- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 42، ذيل ح 6، ص 293.

2- انظر: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلّي: الفصل الثالث، الصفة الثانية، ص 51.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، استحالة اتّصافه تعالى بالآلات الجسمانية، ص 237.

3- انظر: نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، البحث الثالث، ص 56.

4- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الثاني، ص 202.

5- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 256.

قواعد المرام، ميثم البحرانى: القاعدة الرابعة، الركن الثاني، البحث الثاني، ص 69.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الثاني، ص 202.


الصفحة 86

أحاديث لأهل البيت(عليهم السلام) في تنزيه الله عن الجسمانية :

1 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "... ولا بجسم فيتجزّأ"(1).

2 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

... إنّ الجسم محدود متناه.

والصورة محدودة متناهية.

فإذا احتمل الحدّ، احتمل الزيادة والنقصان.

وإذا احتمل الزيادة والنقصان، كان مخلوقاً"(2).

3 ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): "إنّ الجسم محدود"(3).

4 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "سبحان من ليس كمثله شيء، لا جسم ولا صورة"(4).

5 ـ قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "ليس منّا من زعم أنّ الله عزّ وجلّ جسم ... إنّ الجسم مُحدَث"(5).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: الباب 2، ح 34، ص 76.

2- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب النهي عن الجسم والصورة، ح 6، ص 106.

3- المصدر السابق، ح 7، ص 106.

4- المصدر السابق: ح 2، ص 104.

5- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 6، ح 20، ص 101.


الصفحة 87

(5)
الصفات التنزيهيّة

الجهة

أدلة نفي الجهة عن الله تعالى:

1 ـ الجهة لا تعقل إلاّ في المكان، والمكان ـ كما سيثبت لاحقاً ـ منفي عنه تعالى(1).

2 ـ الشيء الذي يكون في جهة لا يخلو من حالتين:

الأولى: يكون لابثاً في تلك الجهة.

الثانية: يكون متحرّكاً عن تلك الجهة.

فيكون الشيء في كلتا الحالتين غير منفك عن الحوادث.

وكلّ ما لا ينفك عن الحوادث، فهو حادث.

ولكن الله ـ كما سيثبت لاحقاً ـ منزّه عن الحوادث(2).

3 ـ الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون محدودة في إطار تلك الجهة، وبما أنّ الله منزّه عن الحدّ، فلهذا يكون منزّهاً عن الوجود في جهة معيّنة.

ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام): "من أشار إليه فقد حدّه"(3).

4 ـ الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون مفتقرة إلى تلك الجهة.

____________

1- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الرابع، ص 204.

2- انظر: نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الرابع، ص57، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، كونه تعالى ليس في جهة من الجهات، ص 227 ـ 228.

3- نهج البلاغة، الشريف الرضي: خطب أميرالمؤمنين(عليه السلام)، خطبة (1 )، ص 14.


الصفحة 88

وبما أنّ الله منزّه عن الافتقار، فلهذا يكون منزّهاً عن الوجود في جهة معيّنة(1).

5 ـ الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون غير موجودة في الجهة الأخرى، فإذا كان الله تعالى في جهة، فسيلزم خلوّه عن سائر الجهات، وهذا باطل.

سبب رفع الأيدي نحو السماء في الدعاء :

1 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء".

فسأله أحد الأشخاص: يا أميرالمؤمنين أليس الله في كلّ مكان؟

قال(عليه السلام): "بلى".

قال: فلمَ يرفع يديه إلى السماء؟

فقال(عليه السلام): "أو ما تقرأ { وفي السماء رزقكم وما توعدون } [ الذاريات: 22 ]فمن أين يطلب الرزق إلاّ من موضع الرزق، وموضع الرزق وما وعد الله السماء"(2).

2 ـ سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): ما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال(عليه السلام): "ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش; لأنّه جعله معدن الرزق"(3).

تفسير بعض الآيات القرآنية بعد معرفة استحالة إثبات الجهة لله تعالى :

1 ـ قوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } [ الأنعام: 18 ]

المقصود من الفوقية هنا التعالي والعظمة والهيمنة في القوّة والقدرة(4)، وليس المقصود الفوقية الحسيّة، ومن الشواهد القرآنية على الفوقية غير الحسيّة قوله تعالى

____________

1- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، الصفات السلبية، ص 69.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الصفات السلبية، ص 215 ـ 216.

الباب الحادي عشر، العلامة الحلّي: الفصل الثالث، الصفة الثانية، البحث الثاني، ص 52.

2- علل الشرائع، الشيخ الصدوق: ج 2، باب 50: العلّة التي من أجلها ترفع اليدين في الدعاء إلى السماء، ح1، ص 344.

3- التوحيد، الشيخ الصدوق، باب 36، ح 1، ص 242.

4- انظر: اللوامع الإلهية، مقداد السيوري، اللامع الثامن، المرصد الأوّل، النوع الثاني، ص 185.


الصفحة 89

حكاية عن فرعون: { وانا فوقهم قاهرون } [ الأعراف: 127 ]

2 ـ قوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر: 10 ]

أي: إنّ الأعمال الصالحة تصعد إلى الملائكة الكرام حفظة الأعمال الذين مسكنهم في السماء، ولهذا نُسب هذا الصعود إليه تعالى(1).

3 ـ قوله تعالى: { أءمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } [ الملك: 16 ]

أي: أءمنتم من الله الذي يوجد في السماء ملائكته الموكّلون بإنزال العذاب عليكم متى ما يشاء(2).

4 ـ قوله تعالى: { يخافون ربّهم من فوقهم } [ النحل: 50 ]

أي: يخافون ربّهم أن ينزل عليهم العذاب من فوقهم(3).

____________

1- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: ج 2، فصل: من الكلام في أنّ الله تعالى لا يجوز أن يكون له مكان، ص 106.

2- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في نفي التشبيه عنه تبارك وتعالى، ص 108.

3- انظر: اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الأوّل، النوع الثاني، ص 185.


الصفحة 90

(6)
الصفات التنزيهيّة

الجوهر والعرض

دليل كونه تعالى ليس بجوهر :

إنّ الجوهر إمّا جوهر فرد أو خط أو سطح أو جسم.

وكلّ واحد منها مفتقر وحادث.

ولكن الله ليس بمفتقر ولا حادث(1).

دليل كونه تعالى ليس بعرض :

"العرض" يعتمد في وجوده على محلّه، وهو مفتقر إلى غيره، و ولكنّه تعالى منزّه عن الافتقار(2).

حديث شريف :

قال عبدالعظيم الحسني للإمام علي بن محمّد الهادي(عليه السلام):

يابن رسول الله إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتّى ألقى الله عزّ وجلّ.

فقال(عليه السلام): هات...

فقال عبدالعظيم: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى... لا عرض ولا جوهر...".

____________

1- النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 28، غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: الفصل الخامس، في أنّه تعالى ليس بجسم، ص 47.

2- النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 29.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الخامس، البحث الثاني، ص 203.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثالث، ص 64 ـ 65.


الصفحة 91

فقال(عليه السلام):... هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه..."(1).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 2، ح 37، ص 79 ـ 80 .


الصفحة 92

(7)
الصفات التنزيهيّة

الحـدّ

إنّ الله تعالى منزّه عن الحدّ.

قال الإمام علي(عليه السلام): "ليس له [ سبحانه وتعالى ] حدّ ينتهي إلى حدّه"(1).

وقال(عليه السلام) أيضاً: "من زعم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود"(2).

أدلة تنزيه الله عن الحدّ :

1 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "من حدّه [ تعالى ] فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله"(3).

2 ـ طلب أحد الأشخاص من الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) أن يحدّ الله تعالى له .

قال(عليه السلام): لا حدّ له.

قال ذلك الشخص: ولم؟

قال(عليه السلام): لأنّ كلّ محدود متناه إلى حدّ.

وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة.

وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان.

فهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزّء..."(4).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 2، ح 1، ص 35.

2- المصدر السابق، ح 34، ص 77.

3- نهج البلاغة، الشريف الرضي: قسم الخطب، خطبة 152، ص 278 ـ 279.

4- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 36، ح 3، ص 246.


الصفحة 93

الصفحة 94

(8)
الصفات التنزيهيّة

الحركة والسكون

أدلة نفي الحركة عنه تعالى :

1 ـ قال الإمام علي(عليه السلام): "لا تجري عليه [ تعالى ] الحركة والسكون، وكيف يجرى عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه، إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزّأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه..."(1).

2 ـ سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لم يزل الله متحرّكاً؟

فقال(عليه السلام): تعالى الله [ عن ذلك ]، إنّ الحركة صفة محدثة بالفعل"(2).

3 ـ قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) قال: "إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان، ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً"(3).

4 ـ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): "كلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به، فمن ظنّ بالله الظنون هلك"(4).

بصورة عامة:

الحركة تستلزم خلو الذات المتحرّكة من المكان التي كانت فيه واستقرارها في مكان غير المكان السابق، وهذا باطل بالنسبة إلى الله; لأنّه تعالى منزّه عن المكان.

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 2، ح 1، ص 41.

2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، ح 1، ص 107.

3- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 3، كتاب التوحيد، باب 14، ح 33، ص 330.

4- الكافي، الشيخ الكليني: باب الحركة والانتقال، ح 1، ص 125.