الصفحة 191

المبحث العاشر

سعة علم الله تعالى

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح أن يكون معلوماً، سواء كان هذا المعلوم موجوداً أو معدوماً، واجباً أو ممكناً، قديماً أو حادثاً، كلّياً أو جزئياً، متناهياً أو غير متناه و..(1).

دليل ذلك :

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح تعلّق العلم به من دون وجود مخصّص يخصّصه ببعض المعلومات دون البعض.

ولهذا يلزم أن يكون علمه تعالى شاملاً لجميع المعلومات(2).

بعبارة أخرى:

نسبة تعلّق علم الله بجميع المعلومات متساوية.

وعدم تعلّق علم الله بمعلوم يحتاج إلى سبب.

ولا يوجد في هذا الصعيد أيّ سبب.

فنستنتج بأنّ علم الله يتعلّق بجميع المعلومات(3).

____________

1- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، ص 53. كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني: صفات الصانع، العلم، ص 171. النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، مقداد السيوري: الفصل الثاني، الصفة الثانية: أنّه تعالى عالم، المقصد الثاني، ص 36.

2- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: 1 / 82 .

3- انظر: الياقوت، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في إثبات الصانع، ص 42.

النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 24. إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الخامس، المسألة 16، المبحث الأوّل، ص 273. النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، مقداد السيوري: الفصل الثاني، الصفة الثانية: أنّه تعالى عالم، المقصد الثاني، ص 36.


الصفحة 192

علم الله بالجزئيات :

إنّ الله تعالى عالم بالجزئيات.

دليل ذلك :

1 ـ العلم بالجزئيات صفة كمال، والجهل بها صفة نقصان.

وبما أنّ الله أكمل الموجودات، فلهذا يوجب وصفه بالكمال الاعتقاد بأنّه عالم بالجزئيات.

تنبيه :

علم الله بالجزئيات المتغيّرة لا يوجب التغيّر في علمه تعالى; لأنّ التغيير في هذا المقام يكون في "المعلومات" لا في "العلم".

وحقيقة علم الله شيء واحد، وهي الإحاطة الشاملة بكلّ المعلومات المتغيّرة من دون أن يطرء على هذه الإحاطة أيّ تغيير، بل لا معنى لوقوع التغيير في الإحاطة(1).

الآيات القرآنية الدالة على سعة علم الله تعالى :

1 ـ { إنّ الله بكل شيء عليم } [ الأنفال: 75 ] [ التوبة: 115 ] [ العنكبوت: 62 ]

2 ـ { إنّ الله قد أحاط بكل شيء علماً } [ الطلاق: 12 ]

3 ـ { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرِّ والبحر و... } [ الأنعام: 59 ]

4 ـ { لا يعزب [ أي: لا يغيب ] عنه مثقال ذرّة في السماوات ولا في

____________

1- انظر: الياقوت، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت: القول في إثبات الصانع، ص 42. تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، ص 295. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث التاسع، ص 98 ـ 99. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الثانية، ص 400. إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الخامس، المسألة 16، المبحث الثالث، ص 275 ـ 276. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الأوّل، ص 200.


الصفحة 193

الأرض } [ سبأ: 3 ]

5 ـ { إنّه يعلم الجهر وما يخفى } [ الأعلى: 7 ]

6 ـ { إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } [ آل عمران: 5 ]

7 ـ { وسع ربّنا كلّ شيء علماً } [ الأعراف: 89 ]

8 ـ { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض } [ آل عمران: 29 ]


الصفحة 194

الصفحة 195

الفصل التاسع

إدراك اللّه تعالى

معنى الإدراك (لغة واصطلاحاً)
   صلة الإدراك بالعلم
   صلة الإدراك بالحياة
   خصائص الإدراك عند الله تعالى


الصفحة 196

الصفحة 197

المبحث الأوّل

معنى الادراك (لغة واصطلاحاً)

"الإدراك" صفة من صفات الله المذكورة في القرآن الكريم.

قال تعالى: { وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } [ الأنعام: 103 ]

معنى الإدراك (لغةً) :

الإدراك في أصل اللغة هو بلوغ أقصى الشيء ومنتهاه(1).

معنى الإدراك (اصطلاحاً)

اختلف العلماء في معنى الإدراك نتيجة اختلافهم في صلة "الإدراك" بصفة "العلم"، والمشهور وجود معنيين، سنذكرهما في المبحث التالي.

____________

1- راجع المعاجم اللغوية، من قبيل: المنجد في اللغة، والمعجم الوسيط مادة (درك).


الصفحة 198

المبحث الثاني

صلة الادراك بالعلم

الرأي الأوّل :

الإدراك هو العلم بالمُدَرك.

أي: الإدراك نوع من أنواع العلم، وهو علم خاص يشمل العلم بالموجودات الجزئية العينية(1).

وبعبارة أخرى: إدراك الله عبارة عن علمه بالأشياء الخارجية.

الرأي الثاني :

الإدراك لا يتعلّق بالعلم، وهو وصف مستقل وزائد على العلم(2).

دليل ذلك :

إنّنا نجد في أنفسنا بأنّ "الإدراك" يفترق عن "العلم".

فنعلم ما لا ندركه.

وندرك ما لا نعلمه.

فنستنتج مطلقاً بأنّ "الإدراك" مغاير "للعلم".

مثال ذلك:

____________

1- انظر: النكت الإعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25. المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثاني، ص 47. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث السابع، ص 95 ـ 60. الأبحاث المفيدة، العلاّمة الحلّي: الفصل الرابع، المبحث السابع، ص 34. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات الإدراك للباري تعالى، ص 207.

2- ذهب الشريف المرتضى والشيخ الطوسي إلى هذا الرأي، وسيأتي لاحقاً بيان أقوالهما في هذا المجال مع ذكر المصدر.


الصفحة 199

مثال علم الإنسان بما لا يدركه :

1 ـ المعدومات، فإنّها تقع في دائرة علم الإنسان، ولكنّها لا تقع في دائرة إدراكه; لأنّ الإدراك مختص بالموجودات(1).

2 ـ الموجودات التي يعلمها الإنسان وليس له اتّصال مباشر بها، أي: لم تقع في دائرة إدراكه.

مثال إدراك الإنسان ما لا يعلمه :

إدراك النائم الأصوات وغيرها التي تكون سبباً في انتباهه.

وهذه الأصوات يدركها الإنسان من دون علمه بها; لأنّه لا يمكن له العلم بها وهو نائم، ولا يمكن القول بأنّه يدركها بعد الانتباه; لأنّه لا يوجد سبب في استيقاظه إلاّ هي(2).

قال الشريف المرتضى: "لا يجوز أن ترجع هذه الصفة [ الإدراك ] إلى كونه عالماً; لأنّه قد يعلم ما لا يدركه; مثل: القديم سبحانه والقيامة، وذلك غير مدرك"(3).

قال الشيخ الطوسي: "[ لا يرجع الإدراك ] إلى كونه عالماً; لأنّه تعالى يكون عالماً بها قبل إدراكها وبعد انقضائها"(4).

____________

1- إنّ "الإدراك" يشمل "العلم بالموجودات" فقط، ولا يشمل "العلم بالمعدومات".

انظر: عجالة المعرفة، محمّد بن سعيد الراوندي: فصل في الصانع وصفاته، ص 32. وخالف ميثم البحراني هذا الرأي وقال: "لا نسلّم أنّ المعدومات غير مدركة لنا"، فإنّ المفهوم المتعارف من "الإدراك" هو لحوق العقل أو الحس للمعقول أو المحسوس، وهو بهذا الاعتبار صادق على المعدومات".

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث السابع، ص 96.

2- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: باب الكلام في الصفات، ص 92. الاقتصاد، الشيخ الطوسى: القسم الأوّل، الفصل الثاني، الإدراك، ص 56. غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، الفصل الثالث، في وجوب كونه تعالى مدركاً، ص 31. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث السابع، ص 60.

3- شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه تعالى مدركاً، ص 53.

4- الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، الإدراك، ص 56.


الصفحة 200

الصفحة 201

المبحث الثالث

صلة الادراك بالحياة

الرأي الأوّل :

إنّه تعالى مدرك لأنّه حي، وكلّ من كان حيّاً فهو مدرك(1).

الرأي الثاني :

إدراك الله لا يستند إلى كونه حيّاً.

دليل ذلك:

1 ـ إنّ "الإدراك" من صفات الله الفعلية.

لكن "الحياة" من صفات الله الذاتية.

ولا يصح أن تكون "صفة لفعل" بعينها "صفة الذات"(2).

قال الشريف المرتضى: "لا يجوز أن [ ترجع صفة الإدراك ]... إلى كونه حيّاً; لأنّ كونه حيّاً قد كان حاصلاً، فلم يجد نفسه على هذا الأمر [ أي: الإدراك ]"(3).

قال الشيخ الطوسي: [ الإدراك ] لا يستند إلى كونه حياً; لأنّه كان حيّاً قبل ذلك ولم يجد نفسه كذلك [ أي: لم يكن مدركاً للمعدومات; لأنّ الإدراك لا يتعلّق

____________

1- انظر: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلّي: الفصل الثاني: الصفة الخامسة، ص41.

2- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الأوّل، باب الكلام في الصفات، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي، ص 94. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات، ص 56.

3- شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه تعالى مدركاً، ص 53.


الصفحة 202

بالمعدومات، وإنّما يتعلّق بالموجودات ]"(1).

2 ـ يتطلّب "الإدراك" مُدركات مختلفة، كالسمع والبصر وغيرهما.

ولا تتطلّب "الحياة" إلى شيء من ذلك.

فيثبت أنّ الإدراك مغاير للحياة، ووصفه تعالى بكونه مدركاً أمر زائد على كونه حيّاً(2).

____________

1- الاقتصاد، الشيخ الطوسي، القسم الأوّل، الفصل الثاني، الإدراك، ص 56.

2- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الأوّل، باب الكلام في الصفات، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي، ص 95.


الصفحة 203

المبحث الرابع

خصائص صفة الادراك عند الله تعالى

1 ـ "الإدراك" من صفات الله الفعلية لأنّ الإدراك لا يكون إلاّ بعد وجود "المُدرَك" في الواقع الخارجي، فلهذا لا يتّصف الله بهذه الصفة إلاّ بعد خلقه تعالى للأشياء، والخالقية ـ كما لا يخفى ـ من صفات الله الفعلية(1).

2 ـ يدرك الله الأشياء بذاته ومن دون الاستعانة بشيء، وهو تعالى بخلاف الإنسان الذي يدرك الأشياء عن طريق حواسه لأنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، وهو لا يفتقر أبداً إلى الآله في الإدراك(2).

3 ـ لا يصح وصفه تعالى بأنّه:

"ذائق" لإدراكه الطعوم.

"شام" لإدراكه الروائح.

"لامس" لإدراكه الحرارة والبرودة.

لأنّ "الذوق" و "الشمّ" و "اللمس" ليست إدراكات، وإنّما هي طرق للإدراك.

والمطلوب بالنسبة إلى الله إثبات حقيقة الإدراك دون طرقها(3).

____________

1- انظر: غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الرابع، ص 40.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 25. المنقذ من التقليد، ابن زهرة الحلبي: ج 1، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات، ص 58. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الخامسة، ص 403.

3- انظر: الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الأوّل، باب الكلام في الصفات، فصل في الدلالة على أنّ صانع العالم حي، ص 90. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في كونه تعالى مدركاً للمدركات، ص 60.


الصفحة 204

4 ـ لا يصح وصفه تعالى بصفة الملتذ والمتألّم على الرّغم من إدراكه للذّة والألم; لأنّ اللذّة والألم من خصائص الأشياء المادية، والله تعالى منزّه عنها(1).

____________

1- انظر: المصدر السابق، الملخص، ص 100. الذخيرة الشريف المرتضى: باب الكلام في الآلام، ص 212.


الصفحة 205

الفصل العاشر

سمع اللّه تعالى وبصره

حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير
   الصلة بين "السمع والبصر" وبين "العلم"
   الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً


الصفحة 206

الصفحة 207

المبحث الأوّل

حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

قال تعالى: { إنّه هو السميع البصير } [ البقرة: 244 ] [ المجادلة: 1 ]

وقال تعالى لموسى وهارون(عليهما السلام): { إنّي معكما أسمع وأرى } [ طه: 46 ]

سبب تسميته تعالى بالسميع والبصير :

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "إنّما يُسمّى تبارك وتعالى بهذه الأسماء; لأنّه... لا تخفى عليه خافية، ولا شيء مما أدركته الأسماع والأبصار"(1).

قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): "وسمّى ربّنا سميعاً... أخبر أنّه لا يخفى عليه الأصوات... الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه"(2).

النتيجة :

إنّ الله تعالى سميع، أي: لا يخفى عليه شيء من المسموعات .

إنّ الله تعالى بصير، أي: لا يغيب عنه شيء من المبصرات .

الله سميع وبصير بذاته :

المخلوقات تسمع وتبصر عن طريق الحواس وآلتي السمع والبصر، ولكنّ الله تعالى لا يسمع ولا يبصر عن طريق الحواس، وإنّما يسمع ويبصر بذاته. لأنّه تعالى منزّه عن الحواس، ومنزّه عن الاحتياج إلى آلة أو أداة في هذا المجال.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام):

____________

1- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج 3، كتاب التوحيد، باب 5، ص 194.

2- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 29، ح 2، ص 383.


الصفحة 208

"هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة.

بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه.

ليس قولي: إنّه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً"(1).

السميع والبصير من صفات الله الذاتية :

قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "لم يزل الله تعالى... سميعاً بصيراً"(2).

قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام) حول الله تعالى: "إنّه واحد، صمد، أحدي المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة".

فسأله الراوي: جعلت فداك! يزعم قوم من أهل العراق، أنّه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع.

[ أي: إنّ السمع صفة زائدة على ذاته تعالى.

وإنّ البصر صفة زائدة على ذاته تعالى.

وما يحتاج الله إليه في خارج ذاته عند السمع مغاير لما يحتاجه في خارج ذاته عند البصر ].

فقال(عليه السلام): "كذبوا وألحدوا وشبّهوا، تعالى الله عن ذلك، إنّه سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع".

[ أي: إنّ صفة السمع والبصر من صفات الله الذاتية، والله تعالى يسمع بذاته، ويبصر بذاته.

وذاته هي التي يسمع بها وهي التي يبصر بها.

وهذا معنى قوله(عليه السلام): يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع ](3).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 36، ح 1، ص 239.

2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب أدنى المعرفة، ح 2، ص 86 .

3- المصدر السابق: باب آخر من الباب الأوّل، ح 1، ص 108.


الصفحة 209

الفرق بين "السميع" و "السامع" وبين "البصير" والمبصر" :

"السميع" و "البصير" من صفات الله الذاتية.

ويصح القول بأنّه تعالى لم يزل سميعاً وبصيراً; لأنّ معنى ذلك أنّه تعالى متمكّن من السمع والبصر فيما لو وُجدت المسموعات والمبصرات.

أمّا "السامع" و "المبصر" فهما من صفات الله الفعلية.

ولا يصح القول بأنّه تعالى لم يزل سامعاً ومبصراً; لأنّه تعالى لا يوصف بالسامع والمبصر إلاّ بعد وجود المسموعات والمبصرات(1).

____________

1- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 29، ص 192.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً، ص 56.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، السمع والبصر، ص 57.


الصفحة 210

المبحث الثاني

الصلة بين "السمع والبصر" و بين "العلم"

الرأي الأوّل :

السمع والبصر معناهما العلم،(1) وكشف الأشياء بالسمع والبصر نوع من العلم.

والله تعالى سميع، أي: عالم بالمسموعات.

والله تعالى بصير، أي: عالم بالمبصرات(2).

الرأي الثاني :

السمع والبصر لا يرجعان إلى العلم.

والانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم.

والله تعالى سميع، أي: أ نّه تعالى على صفة يدرك المسموعات إذا وجدت.

والله تعالى بصير، أي: أنّه تعالى على صفة يدرك المبصرات إذا وجدت(3).

____________

1- انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد: قول 20، ص 54.

2- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 24.

المسلك في أصول الدين، الرسالة الماتعية، المحقّق الحلّي: الفصل الأوّل، ص 296. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الخامس، ص 90. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الثاني، ص 202.

3- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 29، ص 192.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً، ص 55.

غنية النزوع، ابن زهرة: ج 2، باب الكلام في التوحيد، الفصل الثالث، ص 31.

وأشار العلاّمة الحلّي إلى هذين الرأيين في كتابه كشف المراد: المقصد الثالث، الفصل الثاني: المسألة الخامسة، ص 403.


الصفحة 211

توضيح الرأي الأوّل:

السمع والبصر معناهما العلم.

وحقيقة كونه تعالى سميعاً، أي: أنّه عالم بالمسموعات.

وحقيقة كونه تعالى بصيراً، أي: أنّه عالم بالمبصرات.

دليل تفسير السمع والبصر بالعلم :

حقيقة السمع والبصر عند المخلوقات مشروطة بوجود الحواس والأدوات، وبما أنّه تعالى منزّه عن ذلك، فلهذا يلزم القول بأنّ صفة "السمع" و "البصر" له تعالى مجازية، ويراد منهما العلم بالمسموعات والمبصرات(1).

المقصود من "العلم" في علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات :

إنّ تفسير السمع والبصر بالعلم لا يعني مطلق العلم بل المقصود من العلم في هذا المقام هو علم خاص، وهو عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات بعد وجودها.

وهذا النمط من العلم يختلف مفهوماً عن العلم العام الذي يشمل العلم بالمسموعات والمبصرات قبل وجودها.

تنبيه :

حقيقة علم الله بالأشياء (من قبيل: المسموعات والمبصرات) هو نفس حقيقة علمه تعالى بها قبل كونها، وعلم الله واحد لا يتعدّد ولا يتغيّر، وإنّما الاختلاف الموجود هنا في "المفهوم" فقط دون "المصداق".

ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام) حول علمه تعالى:

"أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً.

علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها"(2).

____________

1- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي الطرابلسي: ج 1، القول في سميع وبصير، ص 85 . قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الخامس، ص 90. اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع الثامن، المرصد الثاني، الفصل الثاني، ص 202.

2- الكافي، الشيخ الكليني: كتاب التوحيد، باب جوامع التوحيد، ح 1، ص 135.


الصفحة 212

دور علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات في توصيفه بالسميع والبصير :

ليس "علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات" هو السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير، ليُقال: لماذا لا يصح توصيفه تعالى بأنّه لامس وذائق وشام; لأنّه عالم بالملموسات والمذوقات والمشمومات؟

بل السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير هو ذكرهما في الكتاب والسنة. وكما لا يخفى أنّ صفات الله وأسمائه توقيفية، ولا يصح وصفه تعالى إلاّ بما وصف به نفسه.

والسبب في أنّنا لا نصف الله باللمس والذوق والشم ـ على الرغم من علمه واحاطته بها ـ هو عدم ذكر هذه الصفات في الكتاب والسنة(1).

تنبيه :

قد يكون السبب في تأكيد الشارع على وصفه تعالى بالسمع والبصر هو ردع المكلّفين عن المعاصي; لأنّ علم المكلّف بأنّ الله يراه ويسمعه يدفعه إلى المزيد من التحرّز عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.

توضيح الرأي الثاني:

السمع والبصر للّه وصفان لهما خصائصهما الذاتية، ولهما معناهما الخاص، ولا تعود حقيقتهما إلى العلم، وبل لهما حقيقة خاصّة بهما.

ومعنى قولنا الله سميع وبصير: أنّه على صفة يدرك المسموعات والمبصرات إذا وجدت(2).

وليس معنى قولنا: الله سميع وبصير: أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات.

دليل خطأ تفسير السمع والبصر بالعلم :

إنّا نجد فرقاً ـ معلوماً لنا بالضرورة ـ :

____________

1- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، القول في الصفات الثبوتية، مسألة: الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين، ص 288.

2- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه تعالى سميعاً بصيراً، ص 55.


الصفحة 213

بين إدراكنا حين فتح أعيننا ومشاهدة المرئي، وبين إدراكنا حين تغميض أعيننا مع وجود العلم بالمرئي.

ومن هنا يثبت لنا بأنّ السمع والبصر لهما سماتهما الخاصة، وأنّ صفتهما مغايرة لصفة العلم(1).

____________

1- انظر: إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي، المقصد الخامس، المسألة الخامسة، ص 211.


الصفحة 214

المبحث الثالث

الادلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

الدليل الأوّل :

إنّ الله تعالى عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المسموعات والمبصرات; فلهذا يصح اتّصافه تعالى بأنّه سميع بصير(1).

يلاحظ عليه :

ينسجم هذا الدليل فقط مع الرأي الأوّل الذي يفسّر السمع والبصر بأنّهما عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات، ولا ينسجم مع الرأي الثاني القائل بوجود تغاير بين حقيقة السمع والبصر وبين حقيقة العلم.

الدليل الثاني :

كلّ حيّ يصح اتّصافه بالسمع والبصر.

والله تعالى حي.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(2).

يلاحظ عليه :

أوّلاً: لا يصح القول بأنّ كلّ حي سميع وبصير، لوجود كائنات حيّة فاقدة للسمع والبصر.

____________

1- انظر: النكتب الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 24.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الصفات الثبوتية، السمع والبصر، 185 ـ 187.

2- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: باب بيان ما يجب اعتقاده في أبواب التوحيد، وجوب كونه سميعاً بصيراً، ص 55. الملخص في أصول الدين، الشريف المرتضى: الجزء الأوّل، باب الكلام في الصفات، فصل في الدلالة على أنّ الله تعالى مدرك للمدركات سميع بصير، ص 99. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة في كونه تعالى سميعاً وبصيراً، ص 84 . الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، السمع والبصر، ص 57.


الصفحة 215

مثال ذلك:

أكثر الهوام والسمك لا سمع لها.

العقرب والخُلد(1) لا بصر لهما(2).

ثانياً: لو سلّمنا بأنّ حياة الإنسان توجب اتّصافه بالسمع والبصر.

فإنّ حياته تعالى مخالفة لحياتنا.

فلهذا لا يلزم الاشتراك بيننا وبين الله في كلّ ما يلازم حياتنا.

ومثال ذلك: إنّ حياتنا تستلزم الشهوة دون حياته تعالى(3).

الدليل الثالث:

لو لم يتّصف الله بالسمع والبصر، لزم أن يتّصف بضدّهما.

وضدّهما نقص، والنقص على الله محال، فيثبت بالضرورة كونه تعالى سميعاً بصيراً.

يلاحظ عليه :

ليس كلّ من لا يتّصف بصفة يتّصف بضدّ تلك الصفة.

بل الاتّصاف بضدّ الصفة يكون لمن شأنه الاتّصاف بها، ولكنّه لا يتّصف بها، كالإنسان الذي من شأنه أن يكون سميعاً وبصيراً، فإذا لم يتّصف بهما اتّصف بضدّهما، أي: بالصمم والعمى.

ولم يثبت عقلاً أنّه تعالى من شأنه الاتّصاف بالسمع والبصر، ولا سيما إذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مشروطة بوجود الحواس، فيكون السمع والبصر من لوازم

____________

1- الخُلد: الفارة العمياء. المعجم الوسيط: مادة (خلد)، ص 249.

الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض وهو ليس له عينان ولا أذنان. المنجد، مادة (خلد)، ص 191.

2- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، القول في الصفات الثبوتية، مسألة: الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين، ص 288.

3- انظر: إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الخامس، المسألة الخامسة، ص 210.


الصفحة 216

الكائنات الجسمانية، والله تعالى منزّه عن ذلك(1).

الدليل الرابع :

إنّ السميع والبصير أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر.

والواحد منا سميع بصير.

فلو لم يكن الله سميعاً، لكان الواحد منّا أكمل من الله، وهذا محال.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(2).

يلاحظ عليه :

ليس كلّ ما كان كمالاً في حقّنا يكون كمالاً في حقّه تعالى.

مثال ذلك: إنّ الماشي منّا أكمل ممّن لا يمشي.

فهل يمكننا القول بأنّه تعالى لو لم يكن ماشياً لكان أحدنا أكمل منه.

وقد يُقال: إنّ المشي صفة كمال في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم.

ولكن السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام، ولهذا يصح نسبتهما إليه تعالى.

والجواب: لا يوجد دليل عقلي على أنّ السمع والبصر غير مختصّان بالأجسام، والواقع يكشف أنّهما ملازمان للجسمانية، ومفتقران إلى الحواس والجوارح(3).

أضف إلى ذلك:

لو جاز عقلاً وصفه تعالى بالسميع والبصير لجاز عقلاً وصفه تعالى باللمس والذوق والشم; لأنّ من يتصّف منّا بهذه الصفات أفضل ممن لا يتّصف بها، ولكنّنا نجد أنّ الشارع لم يجوّز لنا وصفه تعالى بهذه الصفات.

____________

1- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الخامس، ص 91، إشراق اللاهوت، عميدالدين العبيدلي: المقصد الخامس، المسألة الخامسة، ص 215.

2- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، القول في الصفات الثبوتية، مسألة: الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين، ص 288.

3- انظر: تلخيص المحصل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، القول في الصفات الثبوتية، مسألة: الله تعالى سميع بصير باتّفاق المسلمين، ص 288. قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الخامس، ص 92.


الصفحة 217

تنبيه مهم :

هذه الردود الواردة على أدلة إثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً لا تعني إنكار كونه تعالى سميعاً وبصيراً، بل تعني عدم وجود دليل عقلي لهذا الإثبات، وأنّ السبيل الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو النقل (الكتاب والسنة) فحسب.

النتيجة :

إذا قلنا بأنّ الله سميع وبصير بمعنى أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات، فالدليل العقلي الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو إثبات علمه تعالى.

وإذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مغايرة لحقيقة العلم، فلا يبقى دليل عقلي محكم لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً، ويكون الدليل النقلي والاعتماد على القرآن والسنة هو السبيل الوحيد لإثبات ذلك.


الصفحة 218

الفصل الحادي عشر

قدرة اللّه تعالى

معنى القدرة (لغة واصطلاحاً)
   أقسام القادر
   خصائص قدرة الله تعالى
   سعة قدرة الله تعالى
   أدلة عموم قدرة الله تعالى


الصفحة 219

الصفحة 220

المبحث الأوّل

معنى القدرة (لغةً واصطلاحاً)

معنى القدرة (في اللغة) :

القدرة تعني التمكّن من الفعل وتركه.

ورد في "مجمع البحرين": قدرت على الشيء: قويت عليه وتمكّنت منه(1).

ورد في "لسان العرب": يقال: قدر على الشيء، أي: ملكه، فهو قادر(2).

ورد في "مصباح الكفعمي": القادر هو الموجد للشيء اختياراً من غير عجز ولا فتور(3).

وقال الشيخ الصدوق: قَدِر، أي: ملك، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له(4).

تنبيه :

"القدير" هو الذي لا تتناهى قدرته، فهو أبلغ من "القادر"، ولهذا لا يوصف بصفة القدير إلاّ الله تعالى.

و "المقتدر" هو التام في القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده(5).

____________

1- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي: 3 / 466.

2- لسان العرب، ابن منظور: 11 / 57. مادة (قدر).

3- مصباح الكفعمي، الشيخ الكفعمي: ج 1، في الأسماء الحسنى وشرحها، ص 382.

4- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 29، ذيل ح 9، ص 192.

5- مصباح الكفعمي، الشيخ الكفعمي: ج 1، في الأسماء الحسنى وشرحها، ص 383.


الصفحة 221

معاني القدرة (في الاصطلاح العقائدي) :

المعنى الأوّل :

قال الشيخ الصدوق: "إنّ الله لم يزل قادراً، إنّما نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شيء معه; لأنّه عزّ وجلّ لم يزل واحداً لا شيء معه"(1).

وهذا المعنى مقتبس من قول الإمام محمّد بن علي الجواد(عليه السلام) حيث قال لأحد أصحابه:

"فقولك: إنّ الله قدير خبّرت أنّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه"(2).

المعنى الثاني :(3)

القدرة هي "الفعل" عند "المشيئة"، و "ترك الفعل" عند "عدم المشيئة". والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.

بعبارة أخرى: إذا شاء أن يفعل فعل، وإذا شاء أن يترك ترك.

المعنى الثالث :(4)

القدرة تعني صحّة الفعل والترك(5).

والقادر هو الذي يصح أن يفعل ويصح أن يترك (أي: لا يفعل).

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ذيل حديث 12، ص 127.

2- المصدر السابق: باب 29، ح 7، ص 188.

3- انظر: الرسائل العشر، الشيخ الطوسي: مسائل كلامية ، مسألة (5 ) ، ص 94 . قواعد المرام، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الأوّل، ص 83 . مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث الرابع، ص 161، وقد نسب العلاّمة الحلّي هذا المعنى للأوائل.

4- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، قدرته تعالى، ص 48. تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: القول في الصفات الثبوتية، ص 269. المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثاني، ص 42. عجالة المعرفة، محمّد بن سعيد الراوندي: فصل في الصانع وصفاته، ص 30. المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في صفات المحدث، ص 35. مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث الرابع، ص 160.

5- إذا كان الفعل ممكناً ولم يمنع منه مانع.

انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الأوّل، المطلب الثاني، ص 42.


الصفحة 222

بعبارة أخرى: القادر هو الذي يصح أن يصدر عنه الفعل ويصح أن لا يصدر عنه الفعل.

تنبيه :

إنّ الله تعالى قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه:

أوّلاً: على المعدومات بأن يوجدها.

ثانياً: على الموجودات بأن يفنيها أو يتصرّف فيها بجمعها أو تفريقها أو تحويلها أو نحو ذلك.

ثالثاً: على مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه(1).

أسماء الله التي تعود إلى صفة قدرة الله تعالى(2)

1 ـ القوي

أي: ذو القوّة الكاملة، فلا يعجزه أمر ممكن في إيجاد أو إعدام، ولا يمسّه نَصَب، ولا يلحقه ضعف.

قال تعالى: { إنّ ربّك هو القوي العزيز } [ هود: 66 ]

2 ـ المتين

أي: ذو المتانة الكاملة. والمتانة أبلغ من مطلق القوّة; لأنّها القوّة الزائدة.

فمعنى المتين: هو الذي له كمال القوّة التي لا تعارضها ولا تشاركها ولا تدانيها قوّة، كما لا يعرض لها عجز ولا تعب ولا تناقض في التصرّف بكلّ أمر ممكن.

قال تعالى: { إنّ الله هو الرّزاق ذو القوة المتين } [ الذاريات: 58 ]

3 ـ القادر

أي: ذو القدرة الكاملة، وقد مرّ معنى القدرة قبل قليل.

قال تعالى: { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم } [ الأنعام: 65 ]

____________

1- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج 1، تفسير آية 20 من سورة البقرة ص 152.

2- العقيدة الإسلامية، عبدالرحمن حسن جنكة الميداني: 161 ـ 163 (بتصرّف).


الصفحة 223

4 ـ المقتدر

أي: ذو القدرة الكاملة. والمقتدر أبلغ من القادر.

قال تعالى: { وكان الله على كلّ شيء مقتدراً } [ الكهف: 45 ]

5 ـ الواجد

أي: ذو الجدّة الكاملة، والجدة هي الغنى مع امتلاك قدرة التصرّف وعدم الاحتياج إلى مساعد ومعين. فمعنى الواجد: القادر على التصرّف بكلّ شيء وفق مراده. ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم.

6 ـ العزيز

أي: ذو العزّة الكاملة، والعزّة هي القدرة على التغلّب.

قال تعالى: { إنّ ربّك هو القوي العزيز } [ هود: 66 ]

7 ـ المُـقيت

أي: الحافظ للشيء والشاهد والمقتدر، وبعبارة أخرى: المُقيت يعني المستولي القادر على كلّ شيء. وهذا المعنى هو أحد معاني هذا الاسم.

قال تعالى: { وكان الله على كلّ شيء مقيتاً } [ النساء: 85 ]

8 ـ مالك المُلك

أي: الذي تنفذ مشيئته في ملكه كيف يشاء، لا مردّ لقضائه، ولا يكون ذلك إلاّ من كمال القوّة والمتانة والقدرة والعزّة والغنى.

قال تعالى: { قل اللّهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } [ آل عمران: 26 ]

9 ـ المِلك (بكسر الميم)

أي: المتصرّف بالأمر والنهي التكويني في كلّ شيء، فإذا قال لشيء: كُن، وُجد ذلك الشيء حسب مشيئته تعالى، وهذا يرجع إلى كمال القدرة على التصرّف


الصفحة 224

بالممكنات.

قال تعالى: { فتعالى الله الملك الحق } [ طه: 114 ]


الصفحة 225

المبحث الثاني

أقسام القادر

1 ـ القادر المختار

مثاله: الله سبحانه وتعالى، الإنسان في أفعاله الاختيارية.

2 ـ القادر الموجب (المضطر)

مثاله: الشمس بالنسبة إلى الإشراق، والنار بالنسبة إلى الإحراق.

الفرق بين "القادر المختار" و "القادر الموجب" :

1 ـ القادر المختار هو المتمكِّن من الفعل والترك.

القادر الموجب هو المتمكِّن من الفعل فقط دون الترك(1).

2 ـ القادر المختار يصح منه أن لا يفعل.

القادر الموجب يمتنع منه أن لا يفعل(2).

3 ـ القادر المختار يصح منه أن يفعل الفعل.

القادر الموجب يجب أن يصدر عنه الفعل(3).

4 ـ القادر المختار هو الذي يفعل مع شعوره بفعله.

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل مع عدم شعوره به(4).

____________

1- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الأوّل، ص 22.

الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، مقداد السيوري: في صفات الله تعالى، ص 56.

2- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الأوّل، ص 93.

3- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، ص 49.

4- انظر: المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج 1، القول في صفات المحدث، ص 35.


الصفحة 226

5 ـ القادر المختار هو الذي يعلم بأثره.

القادر الموجب هو الذي لا يعلم بأثره(1).

وبصورة عامّة:

القادر المختار هو الذي يؤدّي فعله بإرادته واختياره.

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل من دون إرادته واختياره(2).

تنبيهان :

1 ـ اشتهر عن بعض الفلاسفة القول بأنّ الله تعالى "قادر موجب" لا "قادر مختار"(3).

ولهذا قال هؤلاء بقدم العالم(4)، وأثبتوا لله إرادة وقدرة لا بالمعنى الذي أثبته المتكلّمون، بل شبّهوا الله تعالى بجهاز مبرمج يعمل من دون إرادة واختيار وفق ما يملي عليه علمه بالنظام الأحسن. تعالى الله عن ذلك، وسبحانه عمّا يصفه هؤلاء(5).

2 ـ القادر المختار أشرف وأسمى من القادر الموجب.

لأنّ القادر الموجب لا فضل له في ألطافه وتفضّله على العباد; لأنّه يفعل من دون

____________

1- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الرابعة، الركن الثالث، البحث الأوّل، ص 83 .

2- انظر: الأنوار الجلالية، مقداد السيوري: الفصل الأوّل، ص 75.

3- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي: الباب الثاني، قدرته تعالى، ص 47. كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثاني، الصفات الثبوتية، القدرة، ص 159. إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث التوحيد، إثبات القدرة للباري، ص 182. الأنوار الجلالية، مقداد السيوري: الفصل الأوّل، ص 75.

4- لأنّ الموجب هو الذي لا يتخلّف أثره عنه بالضرورة، وهو الذي لا ينفك عنه فعله، والذين يقولون بأنّه تعالى قادر موجب، يعتقدون بأنّ العالم بالنسبة إلى الله كالنور بالنسبة إلى الشمس، وبما أنّه تعالى كان من الأزل، فالعالم أيضاً كان معه من الأزل; لأنّ العالم لا ينفك عن الله; وهو كالنور بالنسبة إلى الشمس، فمادامت الشمس موجودة فالنور موجود معها.

انظر: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلّي: الفصل الثاني، ص 32. الاعتماد، مقداد السيوري: في صفات الله تعالى، ص 57.

وإثبات حدوث العالم (أي: وجود العالم بعد عدمه) يثبت بأنّ الله تعالى قادر مختار لا قادر موجب.

انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، ص 53 ـ 54. تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، ص 191.

5- لمعرفة أدلة تنزيه الله عن الاتّصاف بالقادر الموجب راجع:

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج الرابع، البحث الرابع، ص 160 ـ 161.


الصفحة 227

إرادته واختياره.

ولكن القادر المختار، فإنّه متفضّل في تقديم الطافه ومواهبه; لأنّه إن شاء منح هذه الألطاف والمواهب وإن شاء منعها.

أضف إلى ذلك:

القادر الموجب أشبه ما يكون بجهاز مبرمج يعمل وفق البرمجة الموجودة فيه، وهكذا ذات لا تستحق العبادة والإطاعة; لأنّها فاقدة للاختيار، ولهذا من المستحيل أن نقول بأنّه تعالى ـ والعياذ بالله ـ قادر موجب ومضطر!


الصفحة 228

المبحث الثالث

أدلة اثبات قدرة الله تعالى

الدليل الأوّل :

إنّ "الفعل" كما يكشف عن وجود "الفاعل"، فإنّه يكشف أيضاً عن اتّصاف الفاعل بالقدرة التي مكّنته من أداء هذا الفعل.

ومن هذا المنطلق:

فإنّنا كما نكتشف من خلال النظر في هذا العالم بأنّ لهذا العالم خالقاً. فإنّنا نكتشف أيضاً من خلال هذا النظر بأنّ خالق هذا العالم متّصف بالقدرة; لأنّ "الفعل لا يصح أن يصدر إلاّ من قادر".(1)(2)

قال الإمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام): "العجب كلّ العجب للشاك في قدرة الله، وهو يرى خلق الله"(3).

الدليل الثاني :

فقدان "القدرة" يثبت "العجز"، و "العجز" نقص لا يليق بالذات الإلهية، والله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية، ومنزّه عن جميع النقائص والصفات الجلالية.

الدليل الثالث :

لو لم يكن الله قادراً، لكان محتاجاً إلى غيره، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

____________

1- الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الأوّل، الفصل الثاني، ص 53.

2- انظر: التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ذيل ح 17، ص 129.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة في كونه تعالى قادراً، ص 73. كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثاني، المسألة الأولى، ص 393.

3- المحاسن، أبو جعفر البرقي: ج 1، باب 23: باب جوامع من التوحيد، ح [831] 233.


الصفحة 229

الصفحة 230

المبحث الرابع

خصائص قدرة الله تعالى

1 ـ "القدرة" من صفات الله الذاتية الكمالية.

والله تعالى قادر فيما لم يزل(1).

ولا يصحّ ـ في جميع الأحوال ـ سلب القدرة من الله، ونسبة "العجز" إليه تعالى; لأنّ هذا السلب يوجب احتياجه تعالى في الخلق إلى شيء غير ذاته، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا... والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء ... وقع ... القدرة على المقدور ... "(2).

سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال(عليه السلام): "لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة.

لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك.

وإذا قلت: خلق الأشياء بغير قدرة، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره، بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة"(3).

2 ـ قدرة الله غير مقيّدة بالقوانين والأسباب الطبيعية، بل الله تعالى قادر على فعل الأشياء من دون توسّط هذه القوانين والأسباب، كما أنّه تعالى قادر على إلغاء هذه

____________

1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: وجوب كونه تعالى قادراً فيما لم يزل، ص63. تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل التوحيد، مسألة في كونه تعالى قادراً فيما لم يزل، ص 81 .

2- الكافي، الشيخ الكليني: ج 1، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، ح 1، ص 107.

3- عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الشيخ الصدوق: ج 1، باب 11، ح 7، ص 108.


الصفحة 231

القوانين والأسباب والعمل بمشيئته وفق قوله تعالى: { إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } [ النحل: 40 ](1)

إذن:

لا تنحصر قدرة الله في المجالات العادية، بل لله تعالى أن يجري الأمور من طرق أخرى كالإعجاز.

3 ـ امتلاك "القدرة" على فعل شيء لا يعني لزوم فعل ذلك الشيء; لأنّ "القدرة" لا تؤثّر لوحدها، وإنّما يكون منها التأثير عند مقارنتها مع الإرادة.

فنستنتج بأنّ قدرة الله على جميع الممكنات لا يلزم وجود جميع هذه الكائنات، وإنّما تحقّق أيّ كائن يكون بعد إرادة الله تعالى له.

وبعبارة أخرى: إنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات، ولكنّه غير مؤثّر في كلّها، وإنّما يؤثّر على بعضها وفق ما يريد(2).

4 ـ مفهوم "القدرة" أوسع من مفهوم "الإرادة".

مثال ذلك:

"القدرة" تتعلّق بالفعل والترك.

ولكن "الإرادة" لا تتعلّق إلاّ بواحدة من "الفعل" أو "الترك".

توضيح ذلك:

قدرة الله تتعلّق بأن "يفعل" وأن "لا يفعل"، ولهذا يكون نطاق قدرته تعالى واسع وشامل للفعل وترك الفعل.

ولكن إرادة الله لا تتعلّق إلاّ بواحد من "أن يفعل" أو أن "لا يفعل"، والله تعالى إمّا أن يريد الفعل وإمّا أن لا يريده.

____________

1- هذا بخلاف قدرة الإنسان التي مهما تعاظمت فإنّها تبقى في إطار الأسباب الطبيعية، وغاية ما يستطيع الإنسان فعله عبارة عن تسخير القوانين الطبيعية وتنفيذ إرادته في دائرة لا تتجاوز حدود هذه القوانين.

2- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثاني، مسألة: الله تعالى قادر على كلّ المقدورات...، ص 299.


الصفحة 232

ولا يمكن تعلّق الإرادة بالفعل والترك في آن واحد; لأنّ تعلّق الإرادة بكليهما مستحيل، ويلزم منه التناقض.

ولهذا يكون نطاق تعلّق "القدرة" أوسع من نطاق تعلّق "الإرادة".

5 ـ لا يوجد في قبال قدرة الله قدرة مضاهية أو معارضة أو مانعة من نفوذها; لأنّ كلّ ما سوى الله فهو "ممكن الوجود" وكلّ "ممكن الوجود" لا "استقلالية" له بذاته في الوجود، بل هو مقهور له تعالى، فلهذا ليس بإمكان هذا الممكن أن يزاحم القدرة الإلهية أو يمنعها من نفوذها.


الصفحة 233

المبحث الخامس

سعة قدرة الله تعالى

قدرة الله تعالى قدرة مطلقة وشاملة وغير محدودة.

دليل ذلك :

قدرة الله ـ كما ثبت في المبحث السابق ـ هي عين ذات الله، وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، فنستنتج بأنّ القدرة الإلهية أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.

ولهذا:

لا تكون قدرة الله مختصّة ببعض المقدورات دون بعض، بل تكون هذه القدرة شاملة ومتعلّقة بكلّ ما هو ممكن ومقدور.

موارد تعلَّق القدرة الإلهية :

لا تتعلّق قدرة الله إلاّ بالأمور الممكنة والمقدورة.

ولا تتعلّق هذه القدرة أبداً بالأمور المستحيلة والممتنعة بالذات.

تنبيه :

عدم تعلّق قدرة الله بالأمر المستحيل والممتنع بالذات ليس من جهة عجز أو قصور في قدرته تعالى، بل هو من جهة القصور في جانب الأمر المستحيل وعدم امتلاكه قابلية الإيجاد.

نماذج من الأمور المستحيلة عقلاً :

1 ـ أن يخلق الله تعالى مثله.


الصفحة 234

2 ـ أن يفني الله تعالى نفسه.

3 ـ أن يوجد الله تعالى شيئاً لا يقدر على تحريكه أو إفنائه.

4 ـ أن يجعل الله تعالى الشيء الكبير (مثل العالم) في الشيء الصغير (مثل البيضة) من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة.

فإذا سُئل: هل الله تعالى قادر على القيام بهذه الموارد؟

فالجواب: القدرة إنّما تتعلّق بالموارد التي يمكن وقوعها، وهذه الموارد يستحيل وقوعها; فلهذا لا تتعلّق القدرة بها.

والسؤال عن تعلّق القدرة بالموارد المستحيلة سؤال خاطىء.

ولهذا ورد في الحديث الشريف:

سُئل الإمام علي(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة؟!

قال(عليه السلام): "إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون"(1).

مثال توضيحي:

1 ـ إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تجعل نتيجة 2 + 2 تساوي 5؟

فسيكون جوابك: من المستحيل أن تكون نتيجة 2 + 2 تساوي 5.

وعدم قدرتي على الحصول على هذه النتيجة ليس لعجزي وقصور قدرتي، بل لأنّ هذا المورد محال ولا يمكن تحقّقه.

____________

1- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ح 9، ص 126.

ورد في حديث آخر:

سُئل الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟

قال(عليه السلام): "نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك، وهي أقل من البيضة، لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها".

التوحيد، الشيخ الصدوق: باب 9، ح 11، ص 126.

ولا يخفى بأنّ إجابة الإمام الرضا(عليه السلام) في هذا المقام وبهذه الصورة كانت لأجل إزالة حالة شكّ السائل في قدرة الله تعالى، فكلّم الإمام(عليه السلام) السائل على قدر عقله، ولم يبيّن له استحالة ما سأله لئلا يشوش ذهنه، وأجابه بجواب يصرف ذهنه إلى عظمة قدرة الله تعالى.


الصفحة 235

والاستفسار عن امتلاك القدرة أو عدم امتلاكها لا يصح إلاّ في الموارد التي يصح وقوعها.

2 ـ إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تكون في وقت ومكان واحد موجوداً ومعدوماً؟

فسيكون جوابك:

إنّ هذا الأمر مستحيل، ولا يمكن وقوعه أبداً; لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين، والعقل يحكم باستحالة اجتماع النقيضين.

ولا يقال لمن لا يفعل المستحيل أنّه عاجز; لأنّ عدم وقوع المستحيل ليس لعدم استطاعته من القيام به، بل لعدم امتلاك ذلك الشيء المستحيل قابلة الإيجاد والتحقّق.

الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي :

المستحيل الذي لا تتعلّق به قدرة الله هو المستحيل العقلي دون المستحيل العادي، وأمّا المستحيل العادي فهو ممّا تتعلّق به القدرة الإلهية.

توضيح ذلك:

ينقسم المستحيل إلى قسمين:(1)

1 ـ المستحيل العقلي:

وهو الأمر الذي يحكم العقل بعدم إمكان وقوعه وتحقّقه أبداً.

من قبيل: ما يشتمل فرضه على التناقض (ويسمّى المستحيل ذاتاً).

ومثاله: أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً في وقت ومكان واحد.

ومن قبيل: ما يشتمل وجوده في الواقع الخارجي على التناقض (ويسمّى المستحيل وقوعاً).

____________

1- انظر: معارف القرآن، محمّد تقي المصباح: 202 ـ 203.


الصفحة 236

ومثاله: وجود المعلول من دون علّته الخاصة في الواقع الخارجي.

2 ـ المستحيل العادي:

وهو أنّنا اعتدنا على تحقّق كلّ شيء في الواقع الخارجي من خلال علّة أو علل معيّنة، فإذا سُئلنا: هل يمكن تحقّق هذا الشيء من دون وجود علّته المتعارفة؟ فإنّنا سنقول: هذا الأمر مستحيل.

ولكن قد يكون لتحقّق هذا الشيء علّة أخرى نجهلها، فإذا أدّت العلّة إلى وقوع ذلك الشيء فإنّنا نتصوّر وقوع المستحيل.

تنبيه :

تسمية هذا القسم الثاني "بالمستحيل" من باب التسامح، وهذا المستحيل ليس من قبيل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالة وقوعه، وإنّما هو المستحيل الذي يحكم العرف والعادة بعدم تحقّقه.

مثال المستحيل العادي :(1)

لو سُئل أحد الأشخاص قبل اختراع الهاتف: هل تستطيع أن تتكلّم فيسمع صوتك من يبعد عنك آلاف الكيلومترات.

فإنّه سيجيب: هذا مستحيل.

وهذا المستحيل هو من قبيل المستحيل العادي، وليس من قبيل المستحيل العقلي.

ويحكم الإنسان باستحالة الشيء عادةً لعدم علمه بالأسباب، فإذا عرف الأسباب، وأصبح عنده إلمام بجهاز الهاتف، فإنّه سيدرك عدم استحالة ما حكم عليه بالاستحالة.

جميع المعاجز هي من قبيل اختراق المستحيل العادي، وهي ظواهر لا توجد عن طريق العلل العادية، وإنّما توجد عن طريق العلل غير العادية خارجة عن نطاق علمنا.

____________

1- انظر: المصدر السابق.