مشروع إحياء حديث أهل البيت (علیهم‌السلام)

التعريف بمشروع إحياء حديث أهل البيت (علیهم‌السلام)

مرّ حديث أهل البيت (علیهم‌السلام) بعد صدوره بالعديد من المراحل منها مراحل ازدهار ومنها مراحل ركود وأبرز مراحل الازدهار التي شهدها الحديث بعد عصر الأئمّة (علیهم‌السلام) عبارة عن:

المرحلة الأولى: مرحلة ظهور الجوامع الأولية للحديث وهي المرحلة التي شارك فيها العديد من المحدثين والعلماء أبرزهم: الشيخ الكليني (ت 329) والشيخ الصدوق (381) والشيخ الطوسي (460) وذلك عن طريق تدوين الجوامع الحديثية المعروفة.

المرحلة الثانية: مرحلة تدوين الجوامع الثانية للحديث حيث عاد النشاط في هذه المرحلة مرة أخرى في كتابة الحديث والاهتمام به وازدهرت فيه كتابة الحديث على يدّ الملا محمّد محسن فيض الكاشاني (ت 1091 هـ ) والعلامة محمد باقر المجلسي (ت 1111 هـ ) والعلامة محمد بن حسن الحرّ العاملي (1104 هـ ).

ويعد سرّ نجاح مرحلة تدوين الجوامع الأولية هو الاهتمام بتقطيع الأحاديث وتنظيمها وتبويبها الموضوعي وسرّ نجاح مرحلة تدوين الجوامع الثانوية هو شموليتها وابتكار الطرق الجديدة في عرضها.

ولو تأملنا فإنّنا نرى امكانية تطوير نجاح هاتين المرحلتين لإبداع مرحلة جديدة تمنح أحاديث أهل البيت (علیهم‌السلام) طابعاً يتيح لها سهولة إلمام الباحثين بمضامينها الرفيعة والاستفادة منها في دراساتهم العلمية وهذا ما يسعى إليه هذا المشروع عن طريق منهجية التقطيع والتنظيم الموضوعي لأحاديث أهل البيت (علیهم‌السلام) وخلق صور معرفية متكاملة في مختلف المجالات العلمية عن طريق تنظيم وتركيب الأجزاء والمقاطع الجزئية المترابطة التي يتمّ اقتطافها وجمعها من حديث أهل البيت (علیهم‌السلام).

ومنهجية «التقطيع» التي يعتمد عليها هذا المشروع هي المنهجية المتعارفة التي اتّبعها جميع المحدّثين في مصنّفاتهم الحديثية وهي عبارة عن «تقطيع المصنّف الحديث الواحد في مصنّفه بأن يفرّقه على الأبواب اللائقة به للاحتجاج المناسب في كلّ مسألة مع مراعاة ما سبق من تمامية معنى المقطوع وقد فعله أئمة الحديث منّا ومن الجمهور ولا مانع منه» [مقباس الهداية للعلامة المامقاني 2: 300 ] .

والفرق بين «التقطيع» المتّبع هنا عن غيره أنّ المحدّثين القدماء والمعاصرين قاموا بالتقطيع الكلّي وتبديل المقطع الكبير من كلام الأئمة (علیهم‌السلام) إلى أحاديث مختلفة لذكر كلّ حديث في الباب الخاص به، لكن المنهجية المتّبعة في هذا الكتاب هي «التقطيع الجزئي» بحيث يقتصر المقطع الواحد على موضوع وحكم واحد، مع اشتماله على أقل قدر ممكن من المتعلقات والتوابع ومن ثمّ تنظيم وترتيب هذه المقاطع بصورة مترابطة ومنسجمة حسب المواضيع الفرعية.

وما تمتاز به هذه المنهجية أنّها تقدّم للقارئ صوراً معرفيّة واضحة من خلال تقطيع وتنظيم الأجزاء المترابطة من الأحاديث الشريفة حول الموضوع الفرعي الواحد، وتنظيمها وترتيبها للوصول إلى الصورة العلمية المتكاملة والمرتبطة بالموضوع المطلوب.

مراحل إنجاز هذا المشروع:

  1. تهيئة جميع كتب الحديث الشيعية (المصادر الأساسية والتي يبلغ عددها تقريباً 350 مجلداً).
  2. القيام بالتقطيع الموضوعي الدقيق والجزئي لجميع الأحاديث الشريفة وكتابة كلّ مقطع في بطاقة تتضمّن عنوان موضوع المقطع ونص المقطع المأخوذ من الحديث وذكر المصدر مع ذكر اسم المعصوم الذي ينسب إليه المقطع قولاً أو فعلاً أو تقريراً.
    ويتمّ تحديد العنوان الأصلي لكلّ بطاقة وفق ما تملي أجزاء المقاطع لفظاً ومعنى مع التأكيد على المعنى لأنّ المقطع قد لا يدل بلفظه على موضوع معين ولكنّه يدل على ذلك من خلال التلويح والإشارة.
    وأهم ما يمتاز به هذا التقطيع أن يكون المقطع الواحد ذات موضوع وحكم واحد ومتضمّن لأقل قدر ممكن من التوابع والمتعلّقات وهذا ما يستدعي القيام بالحذف من وسط المقطع المأخوذ من الحديث ووضع ثلاث نقاط بدل المحذوف للدلالة عليه مع الانتباه لئلا يؤدّي هذا الحذف إلى التغيير المخلّ بالمعنى من خلال عدم مراعاة تمامية معنى المقطوع أو عدم لحاظ السياق والقرائن المقامية.

  3. فرز البطاقات حسب المواضيع المدوّنة في أعلى كلّ بطاقة كما تكون الأولوية للبطاقة ذات المصدر الأقدم من بين البطاقات المتشابهة من ناحية المصدر مع إعطاء الأولوية للكتب الأربعة والكتب التي تمتاز عن غيرها بالوثاقة.
  4. العمل على البطاقات ذات الموضوع الواحد وكتابة الموضوع الفرعي لكلّ بطاقة حسب ما يمليه المقطع الموجود في البطاقة من أجل تقسيم الموضوع الأصلي الواحد إلى عدّة مواضيع فرعية.
  5. القيام بتنظيم وترتيب البطاقات المرتبطة بالموضوع الفرعي للحصول على صور معرفية متكاملة من خلال ترتيب هذه البطاقات حسب الترتيب المنطقي والفني الذي يأخذ بيد القارئ ليقدّم له أروع المعارف المأخوذة تماماً من حديث أهل البيت (علیهم‌السلام).

أهمية منهجية التقطيع والتنظيم الموضوعي لحديث أهل البيت (علیهم‌السلام)

تشكّل هذه المنهجية مرحلة جديدة في نشر حديث أهل البيت (علیهم‌السلام) ويمكن القول بأنّ هذه المنهجية تعدّ ـ بعد مرحلة تدوين الأصول الأربعمائة وبعد مرحلة ظهور الجوامع الأولية للحديث (القرن الرابع والخامس للهجرة) وبعد مرحلة ظهور الجوامع الثانوية للحديث (القرن 11 و 12 و 13 للهجرة) وبعد مرحلة اهتمام المعاصرين بالحديث ـ مرحلة جديدة تتميّز بالإبداع من ناحية التنظيم والترتيب والتنسيق والترابط وتسهيل الأمر لمن يبتغي معرفة الصورة الموضوعية الشاملة لما ورد عن أهل البيت (علیهم‌السلام).

نطاق استثمار هذه المنهجية

النطاق الأوّل: اتّباع طريقة التنظيم

طريقة التنظيم هي الطريقة المتّبعة في موسوعة عقائد الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام) والتي تم تأليف ونشر المجلد الأول والثاني منها حول موضوع معرفة الله، والمتوقّع من خلال هذه الطريقة تأليف عشرات المجلدات في مختلف المواضيع العقائدية الفقهية الفكرية الأخلاقية التربوية والثقافية وغيرها من المواضيع التي اهتم بها أهل البيت (علیهم‌السلام) في أحاديثهم وتحدّثوا عنها.

النطاق الثاني: اتّباع طريقة التأليف

يمكن استثمار البطاقات في مختلف المواضيع عن طريق اتّباع طريقة التأليف من خلال كتابة إنشاء تتشكّل فقراته من مقاطع كلام أهل البيت (علیهم‌السلام) وهي المقاطع التي تمّ جمعها حسب المواضيع المحدّدة كما يمكن توسيع تنوّع هذا التأليف على شكل كتابة مقالات أو الإجابة على الأسئلة التي توجد أجابتها بصورة متفرقة في أحاديث أهل البيت (علیهم‌السلام) فيقوم المتصدّي للإجابة بصياغة جواب السؤال من خلال تركيب المقاطع الواردة في كلام أهل البيت (علیهم‌السلام) حول هذا الموضوع المطروح في السؤال والنموذج لهذا العمل هو النص التالي حيث تم تأليفه من 72 مقطعاً مأخوذاً نصاً أو اختصاراً من عشرات الأحاديث الشريفة الواردة عن الأئمة (علیهم‌السلام).

النموذج:

« إنّ الأئمة (علیهم‌السلام) مواضع معرفة الله ولسان توحيد الله والدليل للعباد على الله بهم نهج الله سبيل الدلالة عليه فأقامهم دلائل على توحيده، وجعلهم سبيله الذي من سلكه وصل إليه تعالى؛ وذلك لأنّ الله اختارهم وانتجبهم وارتضاهم واصطفاهم وانتقاهم ليكونوا حججه وأمناءه وسفراءه وتراجمة أمره ولسانه الناطق في خلقه وبابه الذي لا يؤتى إلا منه فأعلى بهم كلمته، وأقامهم علماً لعباده ومناراً في بلاده.

ومن هذا المنطلق أودعهم الله علمه وأحصى فيهم علم كلّ شيء بل اختصّهم من خالص علمه، وائتمنهم على سرّه، ولم يحجب عنهم خبر السماء، وأعلمهم بكلّ ما علّمه ملائكته وأنبياءه ورسله، وجعلهم أمناءه على ما أهبط من علم ومكّنهم بالعلم بعد رسوله| فأخذوا علم الرسول| وأصبحوا ورثة علمه|، بل ورثة علم الأوّلين والآخرين وأصبحوا باب علم الله وحملة علم الله ومعدن علم الله وخزنة علم الله وحفظة علم الله ومستقر علمه تعالى.

ولمّا آتاهم الله العلم نصبهم هداة لخلقه، وجعلهم نوره الزاهر المضيء المبين الذي يخرق به الظلم، وينقذ به الناس من الجهل والضلالة... فهم (علیهم‌السلام) نور لمن تبعهم، ونور لمن اقتدى بهم وهم النور الذي أمرنا الله باتّباعه فمن جهلهم جهل الله، ومن لم يعرفهم كان كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.

ومن هنا أصبح الحقّ معهم وفيهم ومنهم وإليهم وأصبحت لهم راية الحقّ، من تمسّك بها نجا، ومن تخلّف عنها هلك.

ولهذا أوجب الله ولاية الأئمة، وأمر بمعرفتهم، والردّ إليهم والتسليم لهم، والاقتداء بهم وكلّفنا الاستمساك بعروتهم واتّباع منهجهم. ولهذا فكلّ من يبتغي معرفة الله فعليه الرجوع إلى الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام)؛ لأنّهم (علیهم‌السلام) أركان توحيد الله، والسبيل الوحيد إلى الله وقادة العباد إلى الله والدلائل على ما يستدل بوحدانيته تعالى، وأبواب الله بينه عزّوجل وبين خلقه من عرفهم عرف الله وبهم نتوجّه إلى معرفة الله، بل لا يُعرف الله إلا عن طريق معرفتهم، ولولاهم ما عرف الله، بل لا يهتدي هاد إلا بهداهم.»

انجاز أوّل نموذج لهذا المشروع

تمّ تأليف ونشر اول مجلدين من هذا المشروع تحت عنوان موسوعة عقائد الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام) ( معرفة الله ) وقد ذكرت في مقدّمة هذه الموسوعة : « أن مسألة معرفة الله عن طريق الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام) قد شغلت بالي لفترة طويلة بعد تأليفي كتاب التوحيد عند مذهب أهل البيت (علیهم‌السلام) وكتاب العدل عند مذهب أهل البيت (علیهم‌السلام)، حيث رأيت خلال مطالعتي للكثير من الكتب العقائدية والكلامية قلّة الاعتماد، بل قلّة الاستشهاد بالأحاديث الشريفة في خصوص معرفة الله فأوجد هذا الأمر في نفسي الدافع لتأليف كتاب يتمّ فيه الاقتصار على كلام الأئمة (علیهم‌السلام) في خصوص معرفة الله بطريقة تختلف عن طريقة ذكر الأحاديث المرتبطة بالموضوع الواحد من دون وجود ترابط وانسجام بين مضامينها، فواصلت التفكير حتّى وفّقني الله للعثور على منهجية جديدة تقتصر فيها المعلومات على حديث الأئمة (علیهم‌السلام) فقط، وتكون طريقة العرض فيها وفق منهجية تختلف عن المناهج المطروحة في هذا المجال فكان ما سيجده القارئ في هذا الكتاب. »

مراحل تأليف كتاب معرفة الله:

  1. أعددت مكتبة تخصّصية تحتوي على جميع كتب الحديث الشيعية المطبوعة مع التأكيد على الكتب المحقّقة.
  2. قمت بفهرسة موضوعية شاملة لجميع هذه الكتب من القرن الأوّل حتّى القرن السابع (مصنّفات السيّد ابن طاووس) وقد حصل من هذه الفهرسة تحديد جميع المواضيع المشار إليها (بالنص أو بالمعنى) في جميع النصوص المروية عن أهل البيت (علیهم‌السلام).
  3. اخترت موضوع معرفة الله للبحث.
  4. راجعت الكتب مع لحاظ فهرستها الموضوعية وكتبت كلّ مقطع ذي موضوع وحكم واحد وهو يرتبط بمعرفة الله في بطاقة خاصّة.
  5. قسّمت البطاقات حسب المواضيع الأصلية، وقد بلغ عدد هذه المواضيع ما يقارب ثلاثمائة موضوع.
  6. قمت بعد تحديد وفرز البطاقات الخاصّة بالموضوع الواحد بتقسيم هذه البطاقات حسب العناوين الفرعية.
  7. رتّبت بطاقات كلّ عنوان فرعي حسب ما تمليه المقاطع للحصول على صور معرفيّة واضحة تستمد أجزاءها من حديث أهل البيت (علیهم‌السلام) .

منهجية ذكر المصادر:

  1. حصل لديّ في كلّ عنوان فرعي بعد كتابة البطاقات وجمعها بطاقات متشابهة مذكورة من مصادر متعدّدة فاعتمدت في ذكر كلّ مقطع على مصدر واحد، وهو أقدم مصدر مع إعطاء الأولوية للكتب الأربعة حسب ترتيب: 1ـ الكافي للشيخ الكليني 2ـ من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 3ـ تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي 4ـ الاستبصار للشيخ الطوسي. كما أعطيت الأولوية للكتب التي تمتاز بالوثاقة على الكتب التي هي أقدم منها زماناً ولكنها لا تمتلك الوثاقة المطلوبة كالكتب المنسوبة إلى الأئمة (علیهم‌السلام).
  2. استدعى الأمر بعض الأحيان القيام بالحذف من وسط المقطع المأخوذ من الحديث للمحافظة على اقتصار كلّ مقطع على المضمون المطلوب وقد وضعت بدل المحذوف ثلاث نقاط للدلالة على هذا الحذف كما كنت منتبهاً لئلا يؤدّي هذا الحذف إلى التغيير في سياق الحديث المخل بالمعنى.
  3. أوردت اسم المعصوم (صاحب الحديث الذي أُخذ المقطع منه أو يرتبط المقطع به) في الهامش بعد ذكر المصدر وأمّا الأحاديث المضمرة التي لم يصرّح فيها اسم المعصوم فقد كتبت بدل ذكر اسم المعصوم عبارة (عنهم (علیهم‌السلام)).
  4. جميع نصوص الأحاديث المأخوذة نصّاً وُضعت بين قوسين صغيرين «» وأمّا النصوص التي ذكرتها بتصرّف وهي قليلة جدّاً وخاصّة بموضوع أسماء الله فقط فلم أضعها بين قوسين وأضفت في بداية مصدرها كلمة: انظر علماً بأنّ التصرّف الذي قمت به في مثل هذه البطاقات يسير جداً وهو لا يتجاوز تبديل الضمير المخاطب إلى الضمير الغائب أو ما شابه ذلك.

مواصلة المشروع

كانت فكرة نشر حديث أهل البيت (علیهم‌السلام) ـ عن طريق منهجية التقطيع وكتابة كلّ مقطع في البطاقة الخاصة به والقيام بتنظيم المقاطع وترتيبها لخلق الصور المعرفية المتكاملة مجرّد فكرة نظرية لم تتحدّد معالمها بصورة مفصّلة إلا بعد التجربة التي عشتها خلال تأليف مجلدين من موسوعة عقائد الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام) (معرفة الله).

وبعد نجاح هذه التجربة حاولت توسيع دائرة العمل فقمت بتشكيل لجنة من الفضلاء للإسراع في انجاز القيام بالتقطيع الموضوعي لجميع أحاديث أهل البيت (علیهم‌السلام)، والعمل على تجميع البطاقات؛ ليمكن تطوير العمل لاحقاً والاستثمار من هذه البطاقات في مختلف النطاقات الممكنة لنشر علوم ومعارف أهل البيت (علیهم‌السلام).

في الختام أسأل الله تعالى أن تشهد ساحاتنا العلمية ولا سيّما العقائدية المزيد من الاهتمام بعلوم ومعارف الأئمة الأطهار (علیهم‌السلام)، وأن نستكمل إيماننا بما أمرنا به الإمام الصادق(علیه‌السلام) حيث قال: «من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد فيما أسرّوا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني». [الكافي 1: 391 ح 6 ]