المؤلفات » التحوّل المذهبي (بحث تحليلي حول رحلة المستبصرين إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام)


الصفحة 263


الفصل الخامس
ما بعد الاستبصار





الصفحة 264

الصفحة 265

إنّ المستبصر يفتح صفحة جديدة من حياته بعد الاستبصار، لأنّ التحوّل الذي يمرّ به لا يكون في صعيد الفكر والعقيدة فحسب، بل يترك ذلك أثره على كافّة جوانب حياته، ويحدث تحوّلاً شاملاً في مجرى حياته ويدخله في رحاب مرحلة نورانيّة جديدة من حياته.

ويشير صالح الورداني إلى هذه الحقيقة مع ذكر تجاربه في هذا المجال:

" إنّ التحوّل بشكل عام والإتّجاه لأيّ مذهب أو فكر آخر عملٌ يتطلّب مقوّمات مثل الشخصيّة الفكريّة والثقافيّة التي تؤهّل الفرد للانتقال أو التحوّل الصحيح والسليم. التجربة على المستوى المعيشي والثقافي والسياسي ضروريّة وقد حصلت عليها في حياتي العامّة سواء على المستوى العسكري أو الثقافي أو السياسي، والأهمّ عامل الخبرة في دائرة الحركة الإسلاميّة ذات التيّار السنّي تحديداً.

هذه المقوّمات ساعدتني على تحقيق التحوّل الصحيح الفعّال بشكل أرضاني قبل إرضاء الآخرين، لأنّها مسألة ذاتيّة ولأنّي لم أجد الراحة الفكريّة والنفسيّة والعقائديّة في دائرة الفكر السنّي، فانتقلت إلى فكر آل البيت (عليهم السلام)، كما كانت عندي القدرة على اتّخاذ القرار، وهي مسألة ليست بالسهلة وقد لاتتوافر لكثير من الناس على جميع المستويات، لأنّ القرار سيشمل كل الأمور الحياتيّة للمرء على مستوى الدين والحياة.

فقرّرت بأن لا أسلّم زمام نفسي لأحد، حتى عندما كنت في دائرة الفكر السنّي لم أكن على شاكلتهم، بل تميّزت عنهم بطريقة التفكير والسلوك والتناول الديني وبطريقة الإفتاء، فكنت أحياناً أبيح قضايا معيّنة يعتبرها غيري حراماً، فيُثار الآخرون


الصفحة 266
ويدفعهم غضبُهم للحكم عليّ بالزندقة والانحراف! "(1).

ويقول محمّد عبد العال حول الأثر الذي تركه استبصاره على نظرته إلى الحياة:

" تغيّرت نظرتي في كل شيء، حتى أنّني كنت أعبد الله سبحانه وتعالى بطريقة مليئة بالتساؤلات لم أجد عنها أجوبة، والإنسان حين الإنفراد بنفسه يطرح تساؤلات كثيرة فإن وجد أجوبة عنها يعشق هذا النوع من اللقاء مع الذات وإن لم يجد فإنّه ينفر من هذا الاختناق.

بعد الاستبصار تحوّلت من نافر من اللقاء مع نفسي إلى عاشق لها، لأنّني أجد كلّ الإجابات التي تفوق حجم التساؤلات.

أستطيع أن أقول بشكل عام أنّ تساؤلاتي انتصفت المقام بين ما قبل الولاية وما بعد الولاية، فكانت تساؤلاتي أكثر من الإجابات في حين أمست أقل من الإجابات "(2).

ردود أفعال أبناء المجتمع:

يواجه معظم المستبصرين ـ بعد أن يُذاع خبر استبصارهم ـ موقفاً شديداً من أبناء المجتمع، وتشنّ عليهم حملة مضادّة وحرب شعواء وإعلام مضاد وتشويهي قبال تغييرهم الانتماء العقائدي.

لأنّ أكثر أبناء المجتمع ترتسم الدهشة على وجوههم عندما يصلهم خبر تشيّع أحد أصحابهم، لأنّهم يحسبون أن ما هم عليه هو من المسلّمات التي لا غبار عليها، فعلى هذا يكون الخارج من معتقدهم مرتدّاً وضالاً وخائناً لمبادئه وثقافة أبناء مجتمعه، فلهذا يقفون بوجهه بقوّة ويحاولون أن يسلبوا منه جميع الامتيازات التي

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد 22.

2- مجلّة المنبر/ العدد: 26.


الصفحة 267
كان يمتلكها، ويواجهونه بصدور تضيق بالكراهيّة ونفوس تحمل بين جوانحها حقداً لما قام به.

ومن هنا يحاول البعض ممن حول المستبصر أن يسعروا نار التشهير والتسقيط ضدّه، وأن يطيحوا بمكانته الاجتماعيّة وأن يسلبوا منه اعتباره بين أقرانه وأفراد أسرته عبر الصاق بعض الافتراءات به واختلاق بعض الأكاذيب ضدّه أو حصره في دائرة الانعزال لئلاّ يلتقي بالآخرين.

ويتحرّك البعض في هكذا أجواء ليعيدوا المستبصر إلى انتمائه السابق، فيبذلون قصارى جهدهم ليثنوه عن معتقده الجديد، ويحاول هؤلاء بشتى السُبل وبكلّ وسيلة منع صاحبهم من مواصلة انتمائه الجديد، ولكنهم هيهات أن يرجعوا إلى الضّلال من هداه الله، و هيهات لهم أن يُزَلزلوا كياناً صامداً ومستقياً يستمدُّ قوّته من تراث أهل البيت (عليهم السلام).

وقد يتّهم البعض معتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بأنّهم قد غُلبوا على أمرهم وسيطر عليهم الشيعة، إلاّ أنّ هذه المَقولة لا حقيقة لها، لأنّ الدافع الحقيقي لاستبصار معتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو الاقتناع بالأدلّة والبراهين التي يحصلون عليها نتيجة بحوثهم المتواصلة في رحاب العقائد الإسلاميّة.

فلهذا ينبغي أن يعي الّذين يحاولون بشتى السبُل محاربة المستبصر وصرفه عمّا ذهب إليه أن صاحبهم لم يتخلّ عن معتقداته السابقة إلاّ اتّباعاً للادلّة المُقنعة التي دفعته إلى ذلك، وأنّ الذي ليس له شجاعة لتقبّل الحقائق والأدلّة، لا يحقّ له أن يضايق من رضي بالحقّ وقبِلَ الدّليل.

ويقول محمّد التيجاني السماوي حول الأسباب التي تدفع الإنسان إلى مضايقة المستبصر:

" إنّ أهل السنّة والجماعة وكما قدّمنا لا يسمحون بنقد وتجريح أيّ صحابي من صحابته (صلى الله عليه وآله) ويعتقدون بعدالتهم جميعاً، وإذا كتب أيّ مفكّر حرّ وتناول بالنقد أفعال


الصفحة 268
بعض الصحابة، فهم يُشنّعون عليه، بل ويُكفّرونه ولو كان من علمائهم، وذلك ما حصل لبعض العلماء المتحرّرين المصريين وغير المصريين أمثال الشيخ محمود أبو ريّة صاحب (أضواء على السنّة المحمّديّة) وكتاب (شيخ المضيرة)، وكالقاضي الشيخ محمد أمين الانطاكي صاحب كتاب (لماذا اخترت مذهب أهل البيت)، وكالسيّد محمّد بن عقيل الذي ألّف كتاب (النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية)، بل ذهب بعض الكتّاب المصريّين إلى تكفير الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر عندما أفتى بجواز التعبّد بالمذهب الجعفري.

وإذا كان شيخ الأزهر ومفتي الديار المصريّة يُشنَع عليه لمجرّد اعترافه بالمذهب الشيعي الذي ينتسب لأستاذ الأئمّة ومعلّمهم جعفر الصادق (عليه السلام)، فما بالك بمن اعتنق هذا المذهب بعد بحث وقناعة وتناول بالنقد المذهب الذي كان عليه و ورثه من الآباء والأجداد. فهذا مالا يسمح به أهل السنّة والجماعة ويعتبرونه مروقاً عن الدّين وخروجاً عن الإسلام، وكأنّ الإسلام على زعمهم هو المذاهب الأربعة وغيرها باطل.

أنّها عقول متحجّرة وجامدة تشبه تلك العقول التي يحدّثنا عنها القرآن والتي واجهت دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وعارضته معارضة شديدة لأنّه دعاهم إلى التوحيد وترك الآلهة المتعدّدة، قال تعالى (وَعَجبُوا أنْ جَاءَهُم مُنْذِرٌ مِنْهُم وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذا سَاحِرٌ كَذّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً وَاحِداً إنَّ هَذا لَشَيءٌ عُجاب)(1).

ولكلّ ذلك فأنا واثقٌ من الهجمة الشرسة التي سوف تواجهني من أولئك المتعصّبين الذين جعلوا أنفسهم قوّامين على غيرهم فلا يحقّ لأحد أن يخرج عن المألوف لديهم ولو كان هذا المألوف لا يمتّ للإسلام بشيء، وإلاّ كيف يُحكم على من انتقد بعض الصحابة في أعمالهم بالخروج عن الدّين والكفر، والدين بأصوله

____________

1- ص: 4،5.


الصفحة 269
وفروعه ليس فيه شيء من ذلك "(1).

ويقول التيجاني السماوي حول ماعاناه من محاربة وهجوم من قبل أبناء مجتمعه بعد اعتناقه للتشيّع:

" وقد اشتهر أمري لدى الخاص والعام بأنّي تشيّعت وأنّي أدعو إلى التشيّع لآل البيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وبدأت الاتهامات والاشاعات تروج في البلاد، على أنّني جاسوس لإسرائيل أعمل على تشكيك الناس في دينهم وبأنّني أسبّ الصحابة وبأنّني صاحب فتنة إلى غير ذلك "(2).

ويضيف التيجاني السماوي حول ماتعرّض إليه بعد أن تلقّى أبناء مجتمعه خبر استبصاره:

" وعشنا فترات قاسية غرباء في ديارنا وبين إخواننا وعشيرتنا ولكنّ الله سبحانه أبدلنا خيراً منهم فكان بعض الشباب يأتون من مُدن أخرى يسألون عن الحقيقة فكنت أبذل قصارى ما في وسعي لإقناعهم فاستبصر عددٌ من الشباب "(3).

ويقول محمّد مرعي الانطاكي حول المؤامرات التي حيكت ضدّه والحملات الظالمة التي شُنّت عيله والضغوط الشديدة التي تعرّض لها، وما نال من الأذى والاضطهاد من قِبل قومه:

" فلمّا أعلنّا التشيّع وانتشر هناك، وفشا وأخذ النّاس يدخلون فيه جماعات وأفراد، فحينذاك تكتَّلت فئات ممّن يناوىء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لجهلهم بمعرفة المذهب، والمرء عدوّ ما جهل.

لذلك أتوا بما أتوا من سوء الأفعال والمعاملة، بحيث نستحي أن نذكره لقبحه وشناعته!

____________

1- محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذّكر: 173ـ174.

2- محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 173.

3- المصدر السابق: 174.


الصفحة 270
ولقد حكم الكثيرون منهم علينا بالكفر والارتداد، فرشقونا بسهامهم، وقاموا يحرّضون علينا سفهاءهم، ويغرّرون صبيانهم، فيأذوننا بالكلام، ويرموننا بالحجارة والحصى قائلين لنا: يا عبدة (القرميدة)!! ويعنون بذلك التربة الحسينيّة.

وأخذوا يحذّرون الناس على المنابر من معاملتنا بدعوى الكفر والارتداد، ويقطعون علينا أسباب المعاش ما أمكنهم، بحيث لو أردنا أن نستأجر داراً للسكنى أتوا إلى أصحابه ويهدّدونه قائلين بأنّ هؤلاء رفضة مشركون يشتمون الصحابة، وإيّاك أن تؤجّرهم فإن فعلت آذيناك!!

فيا للعجب كأنّما خرجنا عن حظيرة الإسلام بإعتناقنا مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله وإليه المشتكى "(1).

ويقول حسين الرجاء حول السخريّة والاستهزاء والمضايقات التي واجهها أعقاب رحلة الاستبصار:

" ثمّ اعلنتُ الحقَّ والله لا يقضي إلاّ بالحقّ، وعلى أثر ذلك تفرّق الناس من حولي وخلعوا بيعة الطريقة وأساؤا الظنّ وحكموا عليّ بأحكام لم يرض بها الله تبارك وتعالى.

فبعض الناس شمت وشتم، فأصبحت هدفاً للسهام وعبرة لمن يعتبر ولا مشاحة هنا فإنّ الناس أعداء ما يجهلون.

وبعضهم أعذروني ولكن باعتقاد أنّني مجنون.

وبعضهم يقولون أنّه سياسي يستتر بالدين.

وبعضهم يقولون أنّه ترك دينه لأجل الأطماع.

وبعضهم يقول أنّه لا يستطيع أن يرجع الى دينه، فلو رجع فالشيعة يقتلونه، وللأسف الشديد أن مثل هذه الهراءة يطلقها أحد السماحات.

____________

1- محمّد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: 60ـ61.


الصفحة 271
وبعضهم ظنّ أنّني أبحرت في العلم فاختلط أمري وذلك انطلاقاً من المقولة الشائعة بين الناس: أنّ العالم عندما يبعد في خوض العلم يدخل على عقله "(1).

ويضيف حسين الرجاء حول الحملات التي انهالت عليه بعد استبصاره:

" شرع الناس يلتقون بي فيسألونني ويردّون عليَّ كلٌ حسب عقليّته ومستواه، فواحد يقابلني باللوم والعتب وآخر بالشدّة والانتقاض وثالث يذكّرني بثقة الناس والقيمة الاجتماعيّة وأنّها ذهبت منّي ورابع يطعن ويسبّ بكلمات جارحة وأليمة "(2).

ويقول هذا المستبصر حول موقفه إزاء ردود فعل الناس:

" كنت أدافع عن نفسي بكتاب الله وسنّة رسوله، فأتلوا الآية وأذكر الحديث، فيكون الجواب: ألم يقرأ الآية إلاّ أنت؟ ألم يعرف الحديث إلاّ أنت؟ ألم يقرأه العلماء؟ ألم يقرأه الناس؟ فلماذا لم يغيّروا دينهم؟ وعندها يتمزّق قلبي أسفاً على جماهير الناس الذي لا يعرفون عن الدّين شيئاً "(3).

ويصف حسين الرجاء معاناته بعد الاستبصار بعبارة أخرى:

" على أعقاب أنّ انغرست بذرة التشيّع وتجذّر جذعُها وعلت أغصانها ورفرفت نسائم آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بأوراقها وكشف بدو الصّلاح عن طيب ثمارها تجمّع أوباش الناس حانقين يريدون اجتثاثها من جذورها واخماد جذوتها وإسكات أصحابها وحملهم على أشواك طرق غير مأمونة لكثرة التعرّج وجهالة المسار واحتمالية النتائج، فهم لا يلوون على شيء ولا يألون جهداً، فتارة بالدعاية والإشاعات وأخرى بالتهويل والتخويف "(4).

ويقول هذا المستبصر حول إحدى المضايقات التي واجهها بعد اعتناقه لمذهب

____________

1- حسين الرجاء/ دفاع من وحي الشريعة: 25.

2- المصدر السابق: 26.

3- المصدر السابق.

4- المصدر السابق: 33ـ34.


الصفحة 272
أهل البيت (عليهم السلام):

" كان لعائلتنا صهر هو زوج لإبنة أخي، وما إن علم هذا بتشيّعنا حتى جنّ جنونه، فطفق يذهب إلى العلماء يستفتيهم عمّا إذا كان يجوز له أن يخالطنا ويواكلنا ويجلس معنا بحكم الأعراف الاجتماعيّة التي لابدّ له من أن يستجيب لها، فأفتوه بأنّه يجوز له أن يأكل من خبزنا ويشرب من مائنا فقط، وحذّروه من أكل اللحم أو الذبائح أو ما أشبه، بدعوى ذبائحنا لا تحلّ لأنّنا على غير دين!! "(1).

ويقول هذا المستبصر أيضاً حول ما واجهه من مضايقات:

" كان أخي الأكبر يمرّ بي وأنا عاكف على مختلف الكتب التي لم يرها من قبل ولم يسمع بما فيها، فأوعدني بأن سأصبح يوماً مجنوناً، وبالفعل وبعد الاستبصار قال لي: أنت مجنون، وقال: أنت (تصلّخت) أيّ انسلخت من ثيابك، وقال: (لا تتصلّخ) أيّ أنّك مجنون ولكن لا تمزّق ثيابك، فقلت في نفسي: كيف ترجو من المجنون الاّ يمزّق ثيابه، وبعد ردحاً من الزمن استبصر أخي، فلم أقل له لا تمزّق ثيابك!! "(2).

ويقول محمد عبد العال حول ما لاقاه أعقاب رحلة الاستبصار:

" لقد حصلت محاولات حثيثة وجادّة من قبل أهلنا من أهل التسنّن والمعنيين بهذا الشأن لأن يعيدوني إلى جادّة الصواب رأفة بي!! ولمحبّتهم لي حرصوا على أن أعود عن هذا الانحراف!!

ولكن كنت حريصاً على حوار هادىء ومتأن، وحريصاً على خروج المحاور من إطار الحوار الخاص بيني وبينه إلى حوار بينه وبين نفسه، وقد تأثّر البعض واستبصر، عندها شعر بعض علية القوم بخطر اللقاءات معي والاستماع إليّ، حتى وصل الأمر الى إطلاق الفتاوى بحرمة الاستماع إليّ، وإن كنت اتحدّث عبر مكبّر للصوت، فقد

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد: الصفر (التجريبي).

2- حسين الرّجاء/ دفاع من وحي الشريعة: 24.


الصفحة 273
كان يقال أن صمّوا آذانكم وأنّه عالم سليط اللسان وقوي الحجّة، وعملوا على انفضاض الناس من حولي "(1).

ويصف أسعد وحيد القاسم الحرب النفسيّة التي شنّها عليه مَن حوله بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام):

"... وكان نتيجة ذلك، إنهاء علاقاتهم [زملائي] بي، وأفتوا بتكفيري، ثمّ أصبحوا... يدعون كلّ الطلبة إلى مقاطعتي ويحذّرونهم من محاوراتي أو مجرّد الاستماع إلي"(2).

ويذكر صالح الورداني أنّ بعض المستبصرين لاقوا من بعض أبناء مجتمعهم ردود أفعال قاسية تصل أحياناً إلى ما يشبه الحرمان الكلّي، وأن بعض الذين كانوا من عوائل ثريّة، ولها انشطتها التجاريّة الواسعة، ماإن تشيّعوا، ضُيّق عليهم، وحوصروا اقتصاديّاً، فاضطرّ أمثال هؤلاء المستبصرين إلى مباشرة أعمال مختلفة من أجل الحصول على قوّتهم.

كما أن بعض الذي تشيّعوا حرّم أهل زوجاتهم ابنتهم من الميراث، وحاولوا بشتى الطرق أن يفصلوا ابنتهم عن زوجها(3).

ويقول معتصم سيّد أحمد حول الاضطهاد والممارسات العدوانيّة التي لاقاها من قبل التيّارات المضادّة، وما تعرّض وقتها من محنة شديدة واضطهاد:

" ومن ثمّ بدأت مرحلة جديدة من الصراع، فلم يجد الذين عجزوا عن النقاش طريقاً غير السخريّة والسبّ والشتم والتهديد والافتراء... وغير ذلك من أساليب الجهل، فاحتسبت أمري عند الله، وصبرت على ما جرى، رغم أن الضربات قد وجّهت لي من أعزّ أصدقائي الذين حرّموا الأكل والنوم معي تحت سقف واحد.

وضُربت عليَّ عُزلة كاملة، إلاّ من بعض الإخوة الذين هم أكثر فهماً وتحرّراً. وبعد

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد: 26.

2- مجلّة المنبر/ العدد 8.

3- انظر: مجلّة المنبر/ العدد: 22، لقاء مع صالح الورداني.


الصفحة 274
مدّة من الزمن أستطعت أن أعيد علاقاتي بالجميع وبصورة أفضل من الأول، بل ولقد أصبحت بينهم محترماً ومقدّراً، وكان بعضهم يستشيرني في كل صغيرة وكبيرة من أمور حياته، ولكن هذا الحال لم يستمر طويلاً، فقد شبّت نار الفتنة من جديد، بعد ما أعلن ثلاثة من الطلبة [الذين كانوا معي في الجامعة] تشيّعهم، بالاضافة إلى مجموعة كبيرة من الطلبة أظهروا تعاطفهم وتأييدهم للشيعة، فدارت سلسلة أخرى من الصدمات والصّراعات التزمنا فيها جميعاً الأخلاق الرساليّة والحكمة، فتمكّنا من امتصاص الغضب بأسرع ما يكون "(1).

ويضيف معتصم سيّد أحمد حول ما لحقه من أذى واضطهاد في قريته بعد ذيوع خبر استبصاره:

" وبهذا انتشر أمري في القرية، وبدأت أطرح مذهب أهل البيت (عليهم السلام) على كثير من أهلها، فشبّت نار الوهّابيّة وتأجّج غضب مروّجيها، فأصبحت كل محاضراتهم في أيّة مناسبة كانت هي عبارة عن سبّ وشتم الشيعة والافتراء عليهم وأحياناً يتعرّضون لشخصيّتي، و واجهت كل ذلك بالصبر والصفح الجميل "(2).

ويضيف هذا المستبصر أيضاً حول الاضطهاد الذي واجهه بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام):

" كان إمام المسجد في قريتنا يصرّح بكفري وضلالتي، ويمنع الجميع من الجلوس معي أو قراءة كتبي، أيّ منطق هذا يسلب الإنسان حرّية تفكيره ولكنّها سياسة الجهل والتجهيل والحصار الفكري "(3).

ويقول محمّد علي المتوكّل حول ما شنّه البعض عليه من حملات مسعورة من أجل صرفه عمّا توجّه إليه:

____________

1- معتصم سيّد احمد/ الحقيقة الضائعة: 23ـ24.

2- المصدر السابق: 25.

3- المصدر السابق: 200.


الصفحة 275
" أراد بعضهم الإيقاع بيني وبين أهلي، بينما كان دافع آخرين هو الحرص على ديني والإشفاق عليّ.

أيّاً كانت الدوافع فقد تلقّى والدي النبأ بحكمته التي أعرفها جيّداً، واعتماداً على ثقته بابنه...

وعند أوّل لقاء بيني وبين أبي، لم يحدّثني مباشرة عمّا بلغه عنّي من أنباء، ولكن بدلاً عن ذلك أخذ يسدى إليّ مجموعة من النصائح القيّمة ويدعوني إلى التريُّث والتثبّت قبل أن أخطوا أيّ خطوة مصيريّة في حياتي، فهمت مراده وطمأنته على نفسي وعلى سلامة مسيرتي، وقدّمت له بعض كتب الدعاء المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام)منها الصحيفة السجّاديّة للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)فأقبل على قراءتها بشغف شديد.

أمّا والدتي ـ ذلك الإنسان البسيط ذو التديّن الفطري والمعرفة المحدودة بالتاريخ وغيره من قضايا الدين ـ فقد بدت منزعجة جدّاً بعد أن سمعت بعض ما تناقلته النسوة من حديث حول ابنها، وكان أكثرهنّ لا يميّز بين شيعي وشيوعي، لذلك كُنّ يستغربن: كيف تحوّل ذلك الشاب المتديّن من واعظ يدعو الناس إلى الإيمان إلى شيوعي لا دين له؟!

ومع ذلك فإنّ امّي انتظرت ريثما تفهم الحقيقة منّي، ولم ترتّب على كلام الناس شيئاً، وما أن التقينا بعد طول افتراق بادرت باستيضاح الأمر منّي، فحرت في أمري، إذ كيف أبيّن لها حقيقة التشيّع وهي لا تعرف عن (التسنّن) شيئاً، شأنها في ذلك شأن أكثر الناس ـ رجالاً ونساء ـ قلت لها:

دعيني أسألك يا أمّي، من تعرفين من الصحابة؟

أجابت: أعرف عليّاً وفاطمة بنت الرسول والحسن والحسين وحمزة والعبّاس.

قلت لها: ذلك يكفي، وكل ما في الأمر أن الناس بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)انقسموا إلى قسمين: قسمٌ صار مع على وفاطمة والحسن والحسين وأبنائهم إلى اليوم وهم الشيعة، وقسم خالفهم واتّبع غيرهم وهم الذين عُرفوا بأهل السنّة، ونحن بعد أن عرفنا هذه


الصفحة 276
الحقيقة رأينا الحقّ في إتّباع أهل البيت (عليهم السلام)فصرنا شيعةً لهم، فهل في ذلك شيء؟

قالت: لا شيء في ذلك ونحن نحبُّ أهل البيت ونحبّ من يُحبّهم.

وهكذا اطمأنّت الوالدة وحمدت الله أنّ ولدها لا زال متمسّكاً بدينه كأقوى مايكون "(1).

ويقول محمّد علي المتوكّل أيضاً حول ردود أفعال طلبة جامعته إزاء استبصاره واستبصار مجموعة من الطلبة الذين استبصروا معه:

" تلك الأسباب مجتمعة دفعت فصيل الحركة بالجامعة إلى المسارعة لاتّخاذ قرارات حاسمة في مواجهة مجموعتنا التي لم تعدّ تخفي تشيّعها.

فكانت الخطوة الأولى هي تكثيف الدعاية المضادّة للشيعة والتشيّع عن طريق الجلسات الثقافيّة والندوات والمعسكرات المغلقة.

وفي خطوة تالية اتّهمت مجموعتنا بالعمالة والتعاون مع جهات سياسيّة معادية من أجل إضعاف الحركة!

كلّ ذلك تمهيداً لإجراءات تكون أكثر حسماً وأشدّ قسوة، ما كان أغناهم وأغنانا عنها لو أنّهم اتّبعوا الحوار معنا بدلاً عن التوجّس والارتياب، إذ أنّ الحركة التي استطاعت أن تتحدّى التراث وتخرج عن الخط التقليدي كان بإمكانها أن تخطوا في طريق (التجديد) خطوة أكثر عمقاً وجدّية، وتجرّب أن تعرض إشكالياتها في التراث على منهج آخر خلاف منهج الرأي الذي لا يزيد عن الطريق إلاّ بعداً.

في الخطوة قبل الأخيرة دُعي جميع الكوادر إلى اجتماع حُجبت عنه مجموعتنا التي كان الأمر متعلّقاً بها، وبعد أن تُليت الاتّهامات الموجّهة إلينا، وأعلن للمجتمعين (انحراف) مجموعتنا عقائديّاً وحركيّاً، صدرت اليهم القرارات الحركيّة القاضية بمقاطعتنا وعزلنا اجتماعيّاً و وقف التعامل مع أفراد المجموعة الشيعيّة بأيّ وجه من

____________

1- محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 66ـ67.


الصفحة 277
الوجوه، وأُخذ على الجميع القسم على ذلك، على الرغم من احتجاج عدد ممّن يعرف إخلاصنا للحركة ولا يجزم بانحراف توجّهنا الفكري "(1).

دواعي مضايقة أبناء المجتمع السنّي للمستبصرين:

يرى أسعد وحيد القاسم أنّ سبب مواجهة أبناء المجتمعات السنّية لمن يغيّر انتماءه من المذهب السنّي إلى المذهب الشيعي هو سيطرة التفكير القبلي والتعصّب الديني والمذهبي على عقليّة أبناء هذه المجتمعات.

فيقول في هذا لمجال:

" الدّين والمذهب في مجتمعاتنا من الأمور التي تورَّث، والقليل النادر جدّاً من يضعها تحت مجهر الدراسة والتمحيص "(2).

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

" رغم كلّ الأدلّة الواضحة والحجج القاطعة التي تقدّمت بها في كتبي السابقة، غير أن البعض سامحهم الله لا يقرؤون بعقولهم وقلوبهم، بل يقرؤون بعواطفهم ما يرضي مشاعرهم وأهوائهم، وقد تعلّموا معاداة كلّ ما يخالف معتقداتهم وتوهين كلّ ما يعاكس رغباتهم "(3).

ويقول محمّد علي المتوكّل حول ردود أفعال أهل السنّة بعد قراءتهم لكتابه (ودخلنا التشيّع سجّداً):

" بالنسبة للقارىء السنّي [الذي يقرأ كتابي] من الطبيعي أن يتساءل; بل يستغرب ويستنكر، ويصدر ما يعنّ له من الأحكام على كل من ينتقل إلى التشيّع، وقد يبدو الأمر له ضرباً من ضروب الردّة والانحراف العقائدي، ذلك أنّه يقطع، ظنّاً وتقليداً، بأنّ

____________

1- المصدر السابق: 53.

2- مجلّة المنبر/ العدد 8.

3- محمّد التيجاني السماوي/ كلّ الحلول عند آل الرّسول: 17.


الصفحة 278
الحقّ كلّ الحقّ هو ما عليه أهل السنّة، وهل بعد الحقّ إلاّ الضلال؟

وقبل أن يسترسل في أسئلته وأحكامه الخاصّة، نضيف إلى قائمته سؤالين، لعلّه يطرحهما على نفسه، أو لعلّه يتذكّر قوله تعالى: ( قُل مَنْ يَرزُقُكُم مِن السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُل الله وإنّا أو إيّاكُم لَعَلى هُدًى أو في ضَلال مُبين)(1).

أوّلاً: هل كونك سنّيّاً كان أمراً باختيارك؟ أو هو ما وجدتَ عليه آباءك والّذين من حولك، فكنت أحدهم في ذلك؟

ثانياً: بعد أن بلغت الرشد وتبيّن لك أنّ هناك أديان أخرى ومذاهب إسلاميّة يقوم بعضها على نفي البعض الآخر والحكم بانحرافه، هل خامرك الشكُّ أو افترضت للحظة أن الحق قد يكون بخلاف ما ألفيت عليه الآباء؟

ومن ثمّ هل سعيت من أجل التحقّق والتثبّت من صحّة معتقداتك وأفكارك الموروثة؟

وإذا أجبت بالنفي فأنت كغيرك من أهل الأديان وأصحاب المذاهب الموروثة، الذين لا يرون الحقّ في شيء بخلاف ما هم عليه، فقط لأنّهم ألفوا آباءهم عليه، فتجد نفسك عند مفترق طرق يزعم كل منها أنّه ينتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث الدين الخالص المبرّأ من الشوائب، ويدّعي أنّه طريق النجاة والفرقة الناجية التي هي واحدة إلى جانبها إثنان وسبعون فرقة ضالّة ومن ثمّ هالكة "(2).

ولهذا يرى معظم المستبصرين رغم تحمّلهم الكثير من المآسي والنكبات أنّ الاستياء العام الذي يتعرّضون له لا يستحقّ الاهتمام أو الالتفات إليه.

ومن جملة هؤلاء أحمد حسين يعقوب حيث أنّه يقول:

" لقد اهتديت وأولادي والحمد لله، فصارت أفراح أهل البيت أفراحنا وأتراحهم أتراحنا، وأنا على بيّنة من ربّي، ولست معنيّاً بما يقوله المجتمع عنّي.

____________

1- سبأ: 24.

2- محمّد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 6.


الصفحة 279
لقد وصفت الأكثريّة الساحقة من أبناء المجتمعات القديمة كلّها الرسل والأنبياء الكرام بالمجانين، واتّهمتهم بالسحر والكهانة والشعر والكذب.. ولم يسلم خاتم النبيّين من هذه الأوصاف الظالمة!

لقد بلغ العرب المدى عندما قالوا بأنّ (القرآن أساطير الأوّلين)! ولكن بوقت طال أم قصُر، سقطت أكاذيب الأكثريّة من أبناء المجتمعات، وحصحص الحقُّ، وبقيت الحقيقة الخالدة التي نادى بها النبيّون.

المطلوب أن أنجوا بنفسي، ولا يضيرني عند الله إن ضلّ ابني أو تنكّر لي مجتمعي، ليقولوا أنّني كافر... وأنّني رافضي... إلخ، هم يعرفون أنّني أصلّي وأحجّ وأبكي من خشية الله، لقد كنت خطيبهم وإمامهم في الصلاة ورئيس بلديتهم فكيف يمكن التوفيق بين هذه الاتّهامات، وبين حقيقة الواقع!! "(1).

ويضيف أحمد حسين يعقوب:

" إنّ فرعون كان يعتقد أن حكمه وطريقته وعقيدته الفاسدة هي المثلى وأنّه كان يخشى أن يذهب موسى (بطريقتكم المثلى)، كان يعتقد أن دينه هو الصحيح، وهو يخاف من موسى أن ينجح بتبديل دين المجتمع (أن يبدّل دينكم)، كان يعتقد أنّه مصلح، ويخشى أن يظهر موسى (في الأرض فساداً)!

لكن من يصدّق اليوم أن فرعون مصلح وأن طريقته هي المثلى، وأنّ موسى مُفسد، حاشاه؟!! من يصدّق اليوم أكاذيب العرب بأنّ القرآن أساطير الأوّلين؟!!

بوقت يطول أو يقصر ستسقط كلّ الأكاذيب وتزول كلّ الأصباغ الزائفة وتظهر الحقائق الشرعيّة المجرّدة، والخاسرون هم الذين يكذّبون على أنفسهم ويسجنون أنفسهم وعقولهم في كهوف التاريخ ومغره "(2).

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد: 10.

2- المصدر السابق.


الصفحة 280

صمود المستبصرين إزاء مضايقات أبناء مجتمعاتهم:

إنّ المستبصر رغم المضايقات التي يواجهها من أبنا مجتمعه يقف بقوّة إزاء كافّة التيّارات التي تحاول إعادته إلى ما كان عليه، ولا يعبأ بكلّ المصاعب التي تنهال عليه نتيجة صموده واستقامته في هذا السبيل، لأنّه يشعر بعد الاستبصار بامتلاك شخصيّة قويّة ومتماسكة يستمدّ منها القدرة على تخطّي كافّة الحواجز والعقبات الصعبة التي ستقف بوجهه لتصرفه عن السير باتّجاه الحقيقة.

وبهذا الشعور الإيماني العظيم الذي يتضاءل بجانبه كل شيء يشعر المستبصر باستقرار نفسي لا يشوبه أيّ خوف أو قلق.

ومن هذا المنطلق يندفع المستبصر بقوّة لمواجهة القوى المعاكسة المغرضة التي تقف بوجهه لتصدّه عن مواصلة الطريق الذي اختاره بنفسه، لأنّ المستبصر يعتقد كما ذكر سعيد أيّوب:

" إنّ على الأرض معسكران لا ثالث لهما: معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، ومعسكر الإيمان ممتدٌّ طال ما ظلّ متمسّكاً بالمنهج الذي يمدّه بكل تصوّرات الحياة، وهذا المنهج تكفّل الله تعالى بحفظه وبنصره حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، فقال تعالى: (...واللهُ مُتمُّ نورِهِ ولَو كَرِه الكافِرُونَ)(1).

( هو الذي أَرسَلَ رسُولَه بالهُدى ودينِ الحقِّ لِيُظهِرَه على الدّينِ كلّه وَلو كَرِه المُشركونَ)(2).

ووفقاً لهذه النصوص تكون الغاية قد أعلنت، وهي أنّ الله تعالى سوف يتمّ نوره ولو كره معسكر الكفر وسيظهر دينه ولو كره معسكر الشرك. فاذا كان الله تعالى قد تكفّل بهذا فما هو دور الإنسان المؤمن؟

____________

1- الصفّ: 8.

2- الصف: 9.


الصفحة 281
بمعنى إذا كان الله تعالى سيتم ويظهر ولن يؤجّل إهمال جميع الخلق هذا الإتمام والظهور كما لن يعجل طاعة جميع الخلق هذا الاهتمام وهذا الظهور، فما هو دور الإنسان المؤمن في هذا النصر الذي سيتحقّق حتماً في نهاية الطريق؟

إنّ دور الإنسان الذي يأخذ موقعه في معسكر الإيمان هو أن يضع نفسه على الطريق الذي حدّده المنهج، ويسير في الحياة وفقاً لهذا التحديد، ولا شأن له متى يأتيه نصر الله، وحركة المؤمن على الطريق نحو الغاية المعلنة يقول فيها تعالى:

( وَلَنَبْلونّكُم حَتّى نَعلَمَ المُجَاهِدينَ مِنْكُم والصَّابِريِنَ ونَبلُوَا أخْبَارَكُم)(1).

وهذا الاختبار يجعل الإنسان في شعور دائم بأنّه مراقب في جميع مهامه، لأنّ حركته كعبد ارتبطت بمنهج الله تعالى كمعبود، وهو في الحياة لابدّ إما أن يكون مجاهداً وإمّا أن يكون صابراً. وكما أنّ هذه هي حركته في حياة الإبتلاء فعليها يكون عطاء المعبود في عالم الخلود، يقول تعالى: ( أم حَسِبتُم أنْ تدْخلُوا الجَنّةَ ولَمّا يَعلَم اللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنْكُم ويَعلَم الصّابِريِن)(2)"(3).

ويعي المستبصر ـ كما ذكر معتصم سيّد أحمد ـ أنّه قد وضع نفسه في مقام يتطلّب منه التحلّي بالصبر والعزيمة، لأنّ الطريق الذي اختاره هو طريق أنبياء الله الذين لاقوا أشدّ أنواع العذاب من مجتمعاتهم(4) بحيث قال تعالى:

( ومَا يأتيهِم مِن نَبيٍّ إلاّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهزِؤُون)(5).

وبهذه الرؤية ينطلق المستبصر بعد استبصاره، فيقف بكل صمود وتحدّي إزاء كافّة التيّارات التي تحاول أن تسلب منه القناعات التي توصّل إليها عبر الأدلّة والحجج

____________

1- محمّد (صلى الله عليه وآله): 31.

2- آل عمران: 142.

3- سعيد أيوب/ عقيدة المسيح الدجّال: 18.

4- أنظر: معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: 31.

5- الزخرف: 7.


الصفحة 282
والبراهين.

ويقول محمّد عبد العال حول إحدى الأمور التي حفّزته على الاستقامة والصمود إزاء التيّارات المعاكسة:

" رغم أنّ مستلزمات الوحشة كانت كثيرة جدّاً وصاخبة جدّاً، إلاّ أنّني لا ولم ولن أشعر بها، لأنّني حفظت عن ظهر قلب قول الإمام علي (عليه السلام): (أيّها النّاس لا تستوحشوا طريق الهُدى لقلّة أهله)"(1).

وبهذه الرؤية، فإنّ المستبصر لا تأخذه في الله لومة لائم، لأنّه يعلم بأنّه قد أرضى الله سبحانه وتعالى في عمله الذي قام به.

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

" ومادام هدفنا سليماً، فما قيمة اعتراض المعترضين والمتعصّبين الذين لا يعرفون إلاّ السباب والشتائم "(2).

ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا المجال:

" فالله يقول: ( يَا أيُّها الّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَو على أنْفُسِكُم)(3).

ومن أجل هذه الآية الكريمة فأنا لا أبالي إلاّ برضاء الله سبحانه وتعالى ولا أخشى فيه لومة لائم مادمتُ أدافع عن الإسلام الصحيح وأنزّه نبيّه الكريم عن كلّ خطأ ولو كان ذلك على حساب نقد بعض الصّحابة المقرّبين ولو كانوا من (الخلفاء الراشدين) لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أولى بالتنزيه من كلّ البشر.

والقارىء الحرّ اللّبيب يفهم من كلّ مؤلّفاتي ماهو الهدف المنشود، فليست القضيّة هي انتقاص الصّحابة والنيل منهم بقدر ماهو دفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وعصمته ودفع

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد: 26.

2- محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذكر: 176.

3- النساء: 135.


الصفحة 283
الشبهات التي ألصقها الأمويّون والعبّاسيّون بالإسلام وبنبيِّ الإسلام خلال القرون الأولى التي تحكّموا فيها على رقاب المسلمين بالقهر والقوّة وغيّروا دين الله بما أملته عليهم أغراضهم الدنيئة وسياستهم العقيمة وأهواؤهم الخسيسة.

وقد أثّرتْ مؤامرتُهم الكبرى على كتلة كبيرة من المسلمين الذين اتّبعوهم عن حسن نيّة فيهم وتقبّلوا كلّ ما رَوَوه من تحريف وأكاذيب على أنّها حقائق وأنّها من الإسلام ويجب على المسلمين أن يتعبّدوا بها ولا يُناقشوها.

ولو عرف المسلمون حقيقة الأمر لما أقاموا لهم ولا لمَرويّاتهم وَزناً "(1).

ويقول التيجاني السماوي أيضاً:

"... فلا أبالي بلوم الأكثريّة ولا أباهي بمدح الأقليّة مادمت أبتغي رضا الله ورسوله ورضا الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام); وأما رضا الناس فهو غاية لا تدرك، لأنّ الناس لا يرضون إلاّ عمّا يعجبهم ولا يميلون إلاّ مع أهوائهم، وأهواؤهم شتى ( وَلَو اتّبَعَ الحَقُّ أهْوَاءَهُم لَفَسَدت السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ...)(2).

وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحقّ حتى وصل بهم الأمر إلى قتل رُسُل الله معاندةً للحقّ الذي لا يتماشى مع أهوائهم، قال تعالى: ( أَفَكُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُم اسْتَكبَرتُم فَفريقاً كَذَّبْتُم وَفَريقاً تَقْتُلُونَ)(3).

فلا غضاضة عليَّ إن أُهنت أو لُعنت على لسان البعض منهم الذين لم يتحمّلوا الحقّ الذي صدعتُ به في كتبي السّابقة وقد أعيتهم الحلية في الردّ عليَّ بالحجّة والدّليل العلمي فلجأوا للسبّ والشتم كما هي عادة الجاهلين.

فلا ولن أخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب، وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، عسى أن أحظى لديهم

____________

1- محمّد التيجاني السماوي/ فسألوا أهل الذكر: 174ـ175.

2- المؤمنون: 71.

3- البقرة: 87.


الصفحة 284
بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب "(1).

ويقول أحد أصدقاء أحمد حسين يعقوب بعد وقوفه على حقيقة التشيّع من أوثق المصادر:

" لا أشعر بأي حرج الآن لو أعلنت وعلى رؤوس الأشهاد، وبكلّ وسائل الإعلان انّني مع بني هاشم ومع أهل بيت النبوّة، وانّني من حزبهم أو من شيعتهم، لأنّ طريقهم هي الطريق الأصوب، ومنهاجهم هو منهاج النبوّة.

ثم لماذا عليَّ أن أشعر بهذا الحرج التقليدي؟ فلقد عرف التاريخ القديم الكثير من الناس الذين تشيّعوا وتحزّبوا لمن هم أقلّ مرتبة، وأدنى مقاماً من أهل بيت النبوّة وبني هاشم (عليهم السلام)، فلقد تشيّعت الأكثريّة الساحقة من المسلمين وتحزّبت لبني أميّة وبني مخزوم وبني عديّ وبني تيم ولرجالات هذه البطون ولم نشعر بالحرج، ولم يَلُمها أحد بل أعتبرت الأكثريّة ذلك من فضائلها ومناقبها "(2).

ويقول محمّد مرعي الانطاكي حول صموده في سبيل الحقّ:

" وعلى كلّ حال نحن ثابتون كالجبل الأشمّ لا تحرّكه العواصف، والبحر الخضمّ لا يأبه بحَرّ الهجير، مشمّرين عن سواعدنا، آخذين بأذيال الحقّ، ندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة التي هي أحسن ( وَمَن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى الله وعَمَل صَالِحاً وَقَالَ إنّني مِن المُسْلِمينَ)(3) وقد أخذ الله بأيدينا ببركة أهل البيت (عليهم السلام)في الأحوال كلّها، ننتصر عيلهم، وهم فاشلون خائبون خاسرون، وبصنع أعمالهم يوم القيامة مَجزِيّون "(4).

ويقول إدريس الحسيني في هذا المجال:

____________

1- محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: 16.

2- أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: 282ـ283.

3- فصّلت: 33.

4- محمد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: 61.


الصفحة 285
" أن أكون من شيعة الإمام علي (عليه السلام) وأختار لنفسي طريق النبوّة في مسلك آل البيت (عليهم السلام) ليس عيباً! إنّما العيب كلّ العيب في ألاّ أكون كذلك بعد أن حصل لي العلم بوجوب هذا "(1).

وقد يصل المستبصر إلى مستوى رفيع من الوعي بحيث إذا استهزأ به البعض وعابوا عليه، يبستم ويسترحم في قلبه على حالهم، ويدعوا الله أن يرزقهم فهماً وعلماً ليدركوا بها الحقائق.

وعموماً، فإنّ أفضل موقف يختاره المستبصر في هذا المجال هو أن يقابل سوء تصرّفات قومه بالأفعال الحسنة وأن يقترب إلى إخوانه من أهل السنّة أكثر من قبل ليبيّن لهم الحق الذي خفي عليهم.

وهذا ما أوصى به السيّد محمّد باقر الصّدر (رحمة الله عليه) للتيجاني السماوي حينما التقى به في العراق:

فيقول التيجاني حول هذا الأمر:

" وكم كانت فرحتي عظيمة عندما قابلت السيّد محمّد باقر الصّدر في النجف الأشرف... وشكوت إليه ما نلاقيه من مقاومة ومن بثّ الإشاعات ضدّنا والعزلة التي نواجهها.

وقال السيّد في معرض كلامه: (لابدّ) من تحمّل المشاق، لأنّ طريق أهل البيت (عليهم السلام)صعب ووعر... وماذا قدّمنا نحن في سبيل دعوة الحقّ التي دفع ثمنها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) بنفسه وأهله وذريّته وأصحابه، كما دفع ثمنها الشيعة على مرّ التاريخ وما زالوا حتى اليوم يدفعون ثمن ولائهم لأهل البيت (عليهم السلام). فلابدّ يا أخي من تحمّل بعض الأتعاب والتضحيّة في سبيل الحقّ، فلئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.

____________

1- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 16.


الصفحة 286
كما نصحني السيد الصدر بعدم الانزواء، وأمرني بأن أتقرّب أكثر من إخواني أهل السنّة كلّما حاولوا الابتعاد عنّي، وأمرني أن أصلّي خلفهم حتى لاتكون القطعية، واعتبارهم أبرياء، فهم ضحايا الأعلام والتاريخ المزيّف، والناس أعداء ما جهلوا.

وعملاً بنصائح الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) وكذلك بنصائح علماء النجف الأشرف عمدنا للتقرّب من إخواننا من المذاهب الأخرى ولا زمنا الجماعة، فكنّا نصلّي معاً، وخفّت بذلك حدّة التوتّر، وتمكنّا من إقناع بعض الشباب من خلال تساؤلاتهم عن كيفيّة صلاتنا و وضوئنا وعقائدنا "(1).

ومن هذا المنطلق يواجه المستبصر سوء تصرّفات قومه بروح هادئة تتحرّك بوعي وثبات وفي ضوء منهجيّة تنطلق من موقع القاعدة الإيمانيّة الصلبة.

وبهذا يعيش المستبصر ـ عند مواجهته لهذه التحدّيات ـ بعيداً عن مشاعر الخوف والقلق والضياع والاهتزاز، وبعيداً عن كافّة مشاعر الضعف التي تملأ النفس رعباً وتحطّم فيها كلّ استعداد للمقاومة، بل يستبدل المستبصر هذه المشاعر نتيجة المامه بمعارف أهل البيت (عليهم السلام) بمشاعر الثقة والسرور والثبات والوضوح في الموقف.

تصدّي المستبصرين لمهمّة الدعوة للتشيّع:

إنّ أوّل أمنية يتمنّاها المستبصر بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) هي أن يبيّن للآخرين الحقائق التي توصّل اليها، وأن يعرّف أبناء مجتمعه الطريق الذي أخذ بيده إلى الهدى والرشاد، لأنّه يودّ أن يجد الآخرون حلاوة الاستبصار التي شعر بها حين اعتناقه لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويعزّ عليه أن لا يقوم بإخراج أبناء مجتمعه من الظلمات إلى النور.

وتتوفّر هذه الفرصة للمستبصر بصورة طبيعيّة، لأنّ الناس إنطلاقاً من حبّ

____________

1- محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: 174ـ175.


الصفحة 287
الاستطلاع تتوجّه إلى المستبصر وتنهال عليه لتستفسر منه أسباب تغييره للانتماء المذهبي.

وفي الحالات التي قد يكتفي الناس باستهزاء صاحبهم بعد الاستبصار، يكون السبب هو أنّهم يحسبون اعتناق صاحبهم للتشيّع نزعة عارضيّة سرعان ما تزول، ولكن بعد مضيّ فترة، عندما يجد الناس أنّ التشيّع عقيدة نالت اهتمام صاحبهم بشكل مكثّف، تتحوّل أسئلتهم من أسئلة سخريّة إلى أسئلة جادّة حول مبادىء وتعاليم مذهب التشيّع.

وهنا تتوفّر للمستبصر الفرصة المناسبة لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فيقوم بإيضاح جوانب كثيرة من التاريخ الإسلامي، وتبيين ما ثار في نفسه من تساؤلات وشكوك أزالت الغشاوة عن عينيه، ويوضّح لهم الملابسات التاريخيّة ويشرح لهم الحقائق التي حاول الكثير إخفاءها من أجل نيل مصالحهم الشخصّية.

ومن هذا المنطلق يتقدّم المستبصر إلى المجتمع بكلّ قوّة وشجاعة وبإصرار وحماس متلبّساً بالروح الجهاديّة حاملاً راية العمل التوجيهي من أجل استنقاذ أبناء مجتمعه من مهاوي الضلالة والانحراف، ومن أجل المساهمة في نشر الفكر الديني الرصين وتزويد الناس بعناصر اليقظة والنهوض الفكري وتوجيههم إلى المبادىء القيّمة والتراث الإسلامي الأصيل.

ويكرّس المستبصر في هذا المجال جهده للدفاع عن التشيّع والردّ على منتقديه، ويأخذ على عاتقه مهام الدعوة والتبليغ لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)ويشمّر عن ساعديه لخدمة هذا المذهب، ويجنّد قواه ويوظّف كل طاقاته وقدراته لتوسيع آفاق رؤية أبناء مجتمعه وتصحيح أفكارهم المشوّهة حول هذا المذهب.

ويوطّن المستبصر في هذا المجال نفسه لإعلاء كلمة الحقّ، وينذر حياته للتبليغ وخدمة الدين لتكون حياته حافلة بالعطاء الصادق لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

ويحاول المستبصر خلال عمله التوجيهي أن يكون أداة مؤثّرة في تصحيح


الصفحة 288
معتقدات من حوله وتقويم اعوجاجهم وإصلاح أحوالهم وتصحيح مسيرتهم، ويحاول أن تكون كلماته صادقة و واعية تحمل تفهماً وإدراكاً واضحاً لحقيقة التشيّع، لتكون سبباً في استضائة بصائر الناس وتنوير عقولهم بمعارف أهل البيت (عليهم السلام).

وفي هذا الصعيد يكون الشباب المتعطّش إلى فهم الإسلام الأصيل وتطبيق تعاليمه المتعالية الأرضيّة المناسبة والخصبة لتقبّل الحقائق.

ولهذا يقول محمّد علي المتوكّل:

" كان الشباب والطلاّب هم محور اهتمامنا ومجال دعوتنا، فكان اكثر المستبصرين فيما بعد شباباً.

لقد اتّخذنا من الجامعة منطلقاً لدعوتنا فقمنا بإصدار الصحف الحائطيّة وإقامة الأسابيع الثقافيّة بما فيها من ندوات ومحاضرات وحوارات ومعارض كتاب، لم يكن خطابنا مستغرباً في الوسط الطلاّبي! إذ نخاطب العقول ونقدّم الحجج والبراهين بين يدي رؤانا ومعتقداتنا، والطلاب بعيدون عن التعصّب والتبيعيّة خاصة إزاء الطرح الموضوعي والحجج القويّة، باستثناء الوهّابيين، فهم الفئة الوحيدة التي ناصبتنا العداء وسعت إلى عزلنا عن الطلاب عن طريق الوصم بالكفر والزندقة والانحراف الفقهي.

ويضيف محمّد علي المتوكّل:

" لقد اتّسمت دعوتنا بالموضوعيّة والهدوء واحترام الآخر، والبعد عن التفاصيل المستفزّة للآخرين، وليس ذلك تكتيكاً بل استراتيجية نستمدّها من قيم التشيّع ومبادئه التي تدعو إلى الجماعة ونبذ الفُرقة...

أما مجتمعنا التقليدي فلم نزدد بالتشيّع إلاّ قرباً منه وتفاعلاً معه، ولقد لاقت وتلاقي دعوتنا إلى أهل البيت قبولاً وتجاوباً يتناسب مع ثقافة الشعب السوداني وموروثاته الروحيّة والأخلاقيّة "(1).

____________

1- محمّد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: 69ـ70.


الصفحة 289
ولهذا يقول التيجاني السماوي:

" فعلى المستبصرين من الشيعة في كلّ مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحقّ لكلّ أبناء الأمّة الإسلاميّة، فلم يكن أئمّة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنّما هم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى لكلّ المسلمين "(1).

أساليب الدعوة عند المستبصرين:

يختلف المستبصرون فيما بينهم في مجال أساليب الدعوة لنشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ويحاول كلٌ منهم أن يستخدم الأسلوب الذي يجد فيه أكبر قدر ممكن من النتائج المثمرة في الصعيد الاجتماعي الذي هو فيه.

فالبعض ـ من قبيل حسن شحاتة ـ يفضّل استخدام اللهجة الشديدة والأسلوب الاستفزازي، لأنّه يرى أنّ هذا الأسلوب يحرّك النفوس الأبيّة وتكون ثماره مذهلة.

ويقول هذا المستبصر حول سبب حدّة لهجته في هذا المجال:

"[انّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام)] يستحقّون أكثر من ذلك، فقد شاء الله أن كل أمّة عادت نبيّها وكالت له وآذته، ولكن ما أوذيَ نبيٌّ مثل ما أوذيَ نبيُّنا في نفسه وآل بيته، فقد دُبّرت له صلوات الله عليه وآله أربعون مؤامرة لقتله، ونجّاه الله، ثمّ ظلموه في أخيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في حياته تكراراً واتّهموه بأنّه سدّ أبوابهم وترك باب أخيه وأخرجهم من المسجد وترك أخاه، وفي كل مرّة يدفع الله أعلام آل البيت وينبّه بمقامهم...

هذا في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، أما بعد وفاته فإنّهم قد انقضوا عليه في آل بيته، فأوّل ما قاموا به أن اغتصبوا مقام أخيه أمير المؤمنين الذي أقامه الله فيه، وأخذوا الخلافة بمسرحيّة قذرة أقاموها في زريبة بني ساعدة! ثمّ انقضوا على الزهراء قرّة عين

____________

1- محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: 27.


الصفحة 290
المصطفى وفلذة كبده، فاغتصبوا حقّها وميراثها وآذوها وشتموها في ملئهم وأحرقوا دارها وكسروا الباب على ضلعها وأسقطوا جنينها وجرى ما جرى عليها!! وغضبت الزهراء وعند غضبها يغضب الله، ومن يغضب الله عليه يستحقّ اللعن الدائم، فلعن الله من آذى النبيَّ فيها، بأبي هي وأمّي كانت شهيدة...(بكى الشيخ ولم يكمل)"(1).

ويرى التيجاني السماوي أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن فيقول:

" وإن كنت أعتقد بأنّ الأسلوب الاستفزازي الذي يحرّك النفوس الأبيّة والذي اعتمدته في الكتب السابقة قد أتى بنتائج مثمرة ومذهلة، إلاّ أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن المسالم الذي قد يُقنع الكثير من الناس فتكون ثماره ألذُّ وأشهى "(2).

ويرى إدريس الحسيني في هذا المجال:

" إنّ شعوبنا أصبحت ـ بفضل الله ـ على درجة من الوعي قادرة أن يجعلها في مستوى استيعاب الفكرة ولا داعي لأن نكثر من شرح المعتقد "(3).

ويرى صالح الورداني أنّ ذلك يتّبع الطرف المقابل، فانّ الذي يواجه جبهات تعلن الحرب ما بين الحين والآخر على الشيعة والتشيّع دون هوادة، بمناسبة وبدون مناسبة، وتطعن في عقائد الشيعة من منطلق حقد دفين لا يدلّ على تقوى أو ورع أو حرص على الإسلام والمسلمين، أو تواجه التشيّع على أسس غير علميّة وغير موضوعيّة، فمن الطبيعي أن يكون الردّ على مستوى المواجهة(4).

ويقول صالح الورداني حول سبب استخدامه اللهجة الشديدة في بعض الأحيان:

" ليس من يجلس على الشاطىء كمن يصطرع مع الأمواج "(5).

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد: 11.

2- محمّد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول (عليهم السلام): 11.

3- إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: 240.

4- انظر: مجلّة المنبر/ العدد 22، لقاء مع صالح الورداني.

5- المصدر السابق.


الصفحة 291
ثمّ يقول:

" إنّ كتاباتنا إنّما تعكس حالة الرأي العام الإسلامي في مصر الذي يتقبّل هذه اللغة ويحتاجها وهو ما لمسناه من ردود الأفعال الايجابيّة تجاه كتبنا ليس على مستوى الداخل فقط، بل على مستوى الخارج أيضاً، وإنّني في كتاباتي لا أعتبر أنّني أدافع عن التشيّع، وإنّما أدافع عن الإسلام الحقيقي الذي جاءنا عبر آل البيت عليهم الصلاة والسلام "(1).

ثمّ يضيف:

" إنّ المجتمع السنّي يحتاج إلى هزّة كبيرة حيث أنّ المعتقدات السنيّة قد عيّشت هذا المجتمع في وهم كبير، وهم النجاة من النار واحتكار الحقّ في دائرته، وذلك الوهم الناتج من كم الروايات التي تقوم على أساسها هذه المعتقدات.

ونظراً لتجربتي الطويلة في المجتمع السنّي جماعات وأفراد وأطروحات أيقنت بهذا، من هنا برزت مؤلّفاتي تحمل طابع التحدّي والمواجهة من أجل تحقيق هذه الهزّة، وسواء كان الأمر إثارة الإشكالات العقائديّة أو التعرّض للصحابة ونفي القداسة عنهم أو التشكيك في روايات أهل السنّة، فكل ذلك مطلوب ومن شأنه أن يحدث هذه الهزّة المطلوبة "(2).

ويقول إدريس الحسيني حول أسلوبه الحاد في مخاطبة أهل السنّة:

" إنّنا لنعتقد ـ بكلّ أسف ـ ما شحنت به كتاباتنا السابقة، تلك التي جاءت حامية، ناريّة.. وما تركته من صدمات في بعض النفوس، وما أثاره من إرباك في نفوس أخرى.. وأيّاً كان موقفي العقدي، فلست ممن تأخذه العزّة بالجهل والجفاء.. لعلّ الأمر كما سبق وأن قلت عدّة مرّات، أمر انتقال جرى على ذاتي، وأفقدني هدوئي. ونظراً لما

____________

1- المصدر السابق.

2- المصدر السابق.


الصفحة 292
رأيته من فتاوى وتشنيعات، ما كان لي أن أعطيها ذلك الاعتبار.. فإنّي أعلم حقّاً أنّ من إخواننا أهل السنّة مَن لهم قابليّة الحوار.

ولقد فوجئت بما أثاره مؤلّفي الأوّل وكذا الثاني، من اهتمام شريحة واسعة من القرّاء.. منهم المُعجب ومنهم المعترض.

وأقول بهذا الخصوص، إن كان مبعث اعتراض البعض، موجّه إلى الأسلوب القاسي، ولاختراق تلك التابوهات المحرمة الممنوعة، فانّ لهم عليَّ أن يؤاخذوني، لأنّ أسلوباً كهذا لا يمكن أن يؤدّي إلاّ إلى ردّة فعل الطرف الآخر، سواء أكان معادياً أو غير متفهّم. ولكن الحقائق التي بحثناها، لا زالت تشكل أزمة حقيقيّة وتحدّياً لتراثنا المعرفي بشكل عام "(1).

عقبات في طريق نشر المستبصرين للتشيّع:

إنّ المستبصر يواجه بعض العقبات في عمله التوجيهي من قبل الذين يرفضون دائماً البحث عن إمكانيّة صحّة معتقداتهم أو خطئها، لكنّه يدأب بالدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بكلّ قوّة وشجاعة، ولا يفترّ في عمله ولا يتوانى في مواصلة تبليغه مهما بلغ التيار المعاكس من قوّة.

لأنّه يشعر أن ما يقوم به جزء من واجبه الديني الملقاة على عاتقه، وأنّ ما يفعله رسالة مقدّسة هدفها محاربة الجهل والزيف والخطأ، ورائدها التوعية ونشر الحقيقة مهما اعترض سبيلها من عقبات وموانع.

ولهذا يقول إدريس الحسيني:

" إنّ الجهل المطبق، والأميّة المنتشرة تجعل من الضروري أن تنهض الأصوات المسؤولة بالدعوة إلى مايلم شعث الإسلام الحقّ ويرأب صدعه ويعيد حبك نسيجه

____________

1- إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: 205.


الصفحة 293
المنفوش "(1).

ويقول التيجاني السماوي:

" وما دام الله سبحانه وتعالى هو الذي يقذف بالحقّ على الباطل، فلا ولن أتردّد أبداً في إظهار ما أؤمن بأنّه الحقّ حتى يحكم الله بيني وبين أولئك المتعصّبين الذين لا يعجبهم من الحقّ إلاّ ما ألفوه ولو كان باطلاً.

ولا ينكرون من الباطل إلاّ ما جهلوه ولو كان حقّاً، ومع ذلك أدعو الله لهم بالهداية والتوفيق فإنّه هو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "(2).

كما أنّ المستبصر يعي أنّ التشيّع يتطلّب المزيد من الجهد والحرص والاهتمام لتبليغه والدعوة إليه، لأنّه مذهب لاقى على مرّ العصور أشدّ الاضطهاد من قبل السلطات الجائرة.

ويستلهم المستبصر في حركته الجهاديّة من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) روح المقاومة وتحمّل كافّة المصاعب في سبيل إعلاء كلمة الحقّ، ويجعل سيرة الأئمة الهداة النموذج الرائع لنفسه في نشر الحقائق، لأنّ سيرتهم كانت العمل بمثابرة من أجل هداية الناس إلى الرشد والصواب، والأخذ بأيديهم إلى الصلاح في الأزمنة التي كانت مليئة بالنكبات والمحن والفتن والضلالات، وكان أهل البيت (عليهم السلام)يجتهدون لحمل مشعل الهداية لإضائة درب الحقّ للآخرين.

وأهمّ ما عند المستبصر خلال دعوته هو أنّ يعرّف الآخرين بالإسلام الصحيح الذي يجب اتّباعه، ولا يقوم المستبصر بمهمّة نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلاّ ليتمّ الحجّة البالغة على أبناء مجتمعه فيحيا من يحيى منهم على بيّنة من أمره ويهتدي إلى الحقّ والصراط المستقيم أو يضلّ عن سواء السبيل.

وقد لا يجد المستبصر آذاناً صاغية لكلامه، فيأسف على ذلك، كما يقول إدريس

____________

1- إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: 11.

2- محمّد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول: 10.


الصفحة 294
الحسيني:

" ويؤسفني جدّاً أن تستمر الحقيقة في الغياب عن هذه الأمّة النائمة، والتي زادها نوماً كسلها في التماس عقيدتها الصحيحة، مكتفية بما حمّلته أقلام التحريف على أديم التاريخ "(1).

ولكن المستبصر مع ذلك يواصل نشاطه التبليغي، ويدعو الناس إلى الحق، لأنّه كما يقول التيجاني السماوي:

" بما أنّنا من المؤمنين الذين يحبّون الخير لكلّ المسلمين ويعملون على إرشادهم إلى الهداية التي نعتقد بأنّها سفينة النجاة، فلا نيأس منهم وسنبقى إلى مدى الحياة ندعوهم إلى الخير والسّعادة التي ليس بعدها إلاّ جنّة النعيم "(2).

فلهذا يستمرّ المستبصر في دعوة الناس إلى الحقّ، إلاّ اللهمّ الذين يقولون عنهم محمّد أحمد خير:

" ومن العبث مخاطبة الرؤوس التي تقف وراء هذه النعرات الطائفيّة المفرّقة، لأنّها لا تتحرّك من وحي عقيدة وإيمان، بل من وحي مصلحة التربّع على كراسي الحكم ومن مصلحة الاستمرار في نهب ثروات المسلمين "(3).

ويقول ياسين المعيوف البدراني في هذا المجال:

" لقد أجهدنا أنفسنا لأكثر من عشرين عاماً كي نتلاحم مع أبناء بلدنا في حوار دؤوب، إلاّ أنّنا وجدنا الأعذار والإجابات التي كانت بالأمس هي نفسها أعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ولا في مضامينها الخاوية من الحقيقة، ويتعلّل ويحتج البعض بطول الطريق، لكن الله سبحانه وتعالى يقول:

( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَريباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتّبَعُوكَ ولكنْ بَعدَتْ عَلَيهِم الشقّةُ

____________

1- إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: 13.

2- محمّد التيجاني السماوي/ كلّ الحلول عند آل الرسول: 18.

3- محمّد أحمد خير/ براءة الشيعة: 9.


الصفحة 295
وَسَيَحلِفُونَ بالله لَو اسْتَطَعنَا لَخرَجْنا مَعَكُم يُهلِكُونَ أنْفُسَهُم والله يَعْلَمُ إنّهُم لَكاذِبُون)(1).

يا إخوتي الحق والحقّ أقول: إنّ الطريق شائكة وطويلة واجتيازها مجهد عبر مجتمع لم يعقد ولم يعرف البحث عن الحقيقة، الأمر الذي لا يتيح للداعية أن يوضح ما يريد، أو أن يمدّ بصره حتى نهاية الطريق، ذلك لأنّ الأمّة انحدرت وانحرفت في اتّجاه مظلم خطّه لها المستعمرون والطامعون الغاشمون الذين يقفون لأمّتنا الإسلاميّة بالمرصاد ويضعون في سبيل الدعاية من الحواجز والعراقيل ما يصعب عليه تجاوزها والتغلّب عليها.

إنّ المسلم الحقّ لا يستهدف من وراء دعوته مكسباً مادّياً أو هدفاً دنيويّاً إلاّ الثواب وأداء الواجب، وإنّ الهدف من هذا العمل الشاقّ هو بناء الأمّة من جديد وإعادتها إلى مركزها القرآني الذي انحرفت عنه متجاهلة طريق النجاة "(2).

مبادرة المستبصرين إلى التأليف حول تحوّلهم المذهبي:

إنّ النخبة من المستبصرين الذين يمتلكون القدرة على التعبير بالقلم رأو أنّ الكتابة تُعتبر من أهمّ الطرق التي يمكنهم أن يوصلوا بها حصيلة تجربة استبصارهم إلى الآخرين، فبادروا بعد اعتناقهم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلى التأليف ليبيّنوا للآخرين عن طريق بحث علمي مقارن وتحقيق موضوعي رصين الأدلّة التي دفعتهم إلى تغيير انتمائهم المذهبي، وليساهموا بأقلامهم في توعية أبناء المجتمع وتعريف المسلمين بعضهم على بعض، وليزيلوا ما علق بأذهانهم من غموض وتشويش وتمويه إزاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وليزيحوا الضباب التاريخي عن الكثير من

____________

1- التوبة: 42.

2- ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: 6.


الصفحة 296
الحقائق التي يجهلها المسلمون، لتبدوا الصورة واضحة أمام الجميع وليتعرّف الجميع على الأدلّة والبراهين التي دفعتهم إلى التخلّي عن انتمائهم الموروث وفرضت عليهم الالتزام بمذهب أهل البيت (عليهم السلام).

دوافع مبادرة المستبصرين إلى التأليف:

إنّ الدوافع التي تحفّز المستبصرين على التأليف حول رحلتهم من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة، ومن جملة هذه الدوافع يمكننا الإشارة إلى ما ذكره أصحاب المؤلّفات من المستبصرين حول أسباب مبادرتهم إلى التأليف، منهم:

محمّد مرعي الانطاكي، مؤلّف كتاب: (لماذا اخترت مذهب الشيعة):

" فلمّا اعتنقنا هذا المذهب الشريف وأعلنّا ذلك قامت الطامّة الكبرى... فهناك جماعات كثيرة من مختلف البلاد، طلبوا منّا أن نذكر الأسباب التي دعتنا إلى الأخذ بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، مع التطرّق إلى ذكر نبذة من ترجمة حياتنا، فلبّينا طلباتهم، وامتثلنا أوامرهم، وشرعنا بكتابة هذا الإملاء "(1).

على محمّد الحنفي، مؤلّف كتاب (فلك النجاة):

" وسُئل عنّا من سبب تبديل المذهب من (أهل الجماعة) إلى مذهب (العترة،) وكنّا ندافع مرّة، بعد مرّة فلمّا أصرّوا علينا أردنا أن نكتب ما فيه كفاية لمن له دراية، ولسنا عليهم بمسيطرين، ( وَمَا عَلَيْنَا إلاّ البَلاغُ المُبين)"(2).

محمّد التيجاني السماوي مؤلّف كتاب (ثمّ اهتديت):

"... بيان ما رأيته الحقّ، راغباً في مساعدة من يريد البحث عنه، آملاً أن يساهم ذلك في قيام الوحدة الإسلاميّة على أساس فكري متين "(3).

____________

1- محمّد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة، مذهب أهل البيت (عليهم السلام): 31ـ32. 2- على محمّد الحنفي/ فلك النجاة: 13.

3- محمّد التيجاني السماوي/ لأكون مع الصّادقين: 7.


الصفحة 297
وله أيضاً:

"... ليسهّل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقيقة من أقرب سبلها كما وصلت اليها من خلال البحث والمقارنة "(1).

صائب عبد الحميد مؤلّف كتاب (منهج في الانتماء المذهبي):

" وجدت لزاماً عليَّ أن أسجّل تجربتي بكلّ أمانة، لتكون بين الأيدي تجربة جاهزة تختزل الكثير من عناء هذا الطريق الطويل، وتقدّم حلولاً للكثير من تلك الأسئلة الحائرة..

فوضعت هذا الكتاب..

وقد حاولت أن أحفظ فيه أشواط رحلتي مرتّبة كما كانت في الواقع، بعيداً عن التكلّف..

إثارات أوّليّة، ثمّ عودة إلى نقاط البدء، فحوار بين حقيقة تهدي إليها الإثارة و موقف مسبق إزاء هذه الحقيقة.. وقد اتّخذ هذا الحوار ثلاثة أشكال:

ـ حوار مع قطب من الأقطاب الذين تبنّوا ذلك الموقف ودافعوا عنه، وقد قدّمت لهذا دائماً بذكر اسم الرجل وكتابه..

ـ حوار مع الذكريات...

ـ حوار مع حدث ثابت من الأحداث، أو مفهوم من المفاهيم "(2).

صالح الوراني مؤلّف كتاب (الخدعة; رحلتي من السنّة إلى الشيعة):

" وليس من المعقول أن أكلّف نفسي كل هذا العناء في الوسط السنّي، ثمّ أعيش تجربة الانتقال الطويلة من السنّة إلى الشيعة، ثمّ بعد ذلك أقف في طابور المنتظرين لأتبنّى دور المتفرّج..

____________

1- المصدر السابق: 6.

2- صائب عبد الحميد/ منهج في الانتماء المذهبي: 13.


الصفحة 298
من هنا بدأت في سلوك سبيل التأليف والنشر والدعاية وسبيل الحركة أيضاً من أجل خدمة دعوة آل البيت (عليهم السلام)ودعمها وتذليل العوائق من طريقها وبعث الهمّة في نفوس المؤمنين بهذه الدعوة ليقوموا بدورهم تجاهها.. "(1).

عبد المنعم حسن، مؤلّف كتاب (بنور فاطمة اهتديت):

" أسجّل هذه التجربة شهادة للتاريخ دون بحث عن منفعة شخصيّة أنالها سوى رضا الله تعالى، وحتى أُساهم بمجهودي المتواضع هذا في إحقاق الحقّ، وحتى يسجّل كحلقة جديدة من حلقات انتصار مذهب الحق (مذهب أهل البيت (عليهم السلام)) ومن سلك منهجهم وتمسّك بهداهم وهم (الشيعة).

وليس المقصود من هذ البحث النيل من شخص معيّن أو إثارة الفتنة، أو البحث عن التفرقة بين المسلمين كما يحلو لبعض الجهلة أن يسمّونها، إنّما هو نقاش عقائدي، القصد منه الكشف عن الحقائق ولفت الإنتباه إلى الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمّة من مرارة الذل والهوان بعد انحرافها عن الصراط المستقيم ونبذها كتاب الله تعالى وسنّة رسوله... كما أنّها خطوة لتوحيد الأمّة تحت راية الحقّ والالتفاف حول محور الدين الحقيقي الأصيل المتمثّل في نهج أهل البيت (عليهم السلام) "(2).

وله أيضاً:

" لقد مَنَّ الله عليَّ بالهداية بفضله وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ، وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصّلت إليه "(3).

أسعد وحيد القاسم، مؤلّف كتاب (حقيقة الشيعة الاثني عشرية):

" وأمام هذا الجهل والتعصّب من جهة، ومظلوميّة الشيعة من جهة أخرى، فقد ارتأيت أن أكتب خلاصة بحثي وأقدّمه لكلّ باحث عن الحقيقة، وليطّلع الملأ عليها.

____________

1- صالح الورداني/ الخدعة: 186.

2- عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: 7.

3- المصدر السابق: 23.


الصفحة 299
فما دام هناك من يفتري على الشيعة كذباً وتضليلاً، وقد جوّز لهم البعض ذلك، فإنّ الحقّ أحقُّ بأن يكتب وينشر "(1).

إدريس الحسيني، مؤلّف الكتاب: (لقد شيّعني الحسين):

" من صميم الإخلاص والحرص على هذه الأمّة المترامية الأطراف، أوجّه رسالتي هذه إلى كل مسلم ورع يحترم عقله.. ملتمساً منهم العودة إلى الصواب.. أو، لا أقلّ إلى مطاولة المفاوضات العقائديّة.. من دون حدّة ولا تعصّب.. ليؤمن من يؤمن وهو على بيّنة وليضل من يضل عن إرادة واختيار "(2).

وله أيضاً:

" أودّ أن أشير ـ في بادىء ذي بدء ـ إلى حقيقة، أريد الاّ تغيب عن القارىء، وهو يذهب لقراءة هذا الكتاب. هي أنّني لست مذهبيّاً في المسلك، وإن قناعاتي مهما كانت، فإنّها لا تجازف بي بعيداً.

أنا مسلم، وأنطلق من صميم الحبّ للدين، وليس من صميم الحقد والتآمر.

إنّني لم ولن أشأ أن أجعله برميل بارود لتفجير المعرفة التاريخيّة من جديد. كما لاأريد به تعميق الفجوة المذهبيّة بين المذاهب، ولكن ما أردته فقط الدفاع عن الحقيقة المرّة والضائعة: بسبب التراخي في كشف الحقّ والمزايدة عليه..

إنّني لم أطلب الانتقام من سنوات التجهيل الذي مارسه في حقّنا علماؤنا من العامّة; انّني أودّ فقط أن أمدّ يد المساعدة لمن أراد أن يتحرّر من سلطة الفكر الجاهز، من الأَسر الموروث، أريد أن أسجّل تجربتي حتى لايبقى بعدي مغفّل. ليكن ما يكن، ولكن لا يبقى مغفّل! إنّني أسمى نفساً من أن أنتقم من أشخاص معيّنين، ولكنّني لا أجد حرجاً في التعرّض لأفكارهم "(3).

____________

1- أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشرية: 16.

2- إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: 7.

3- إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: 13.


الصفحة 300
وله أيضاً:

" والكتاب سيكون جولة سريعة في تجربة تلامس كل محطّات الأمّة الرئيسيّة، والغاية منه يمكن حصرها في جملة من النقاط:

1 ـ إنّ المسؤوليّة تقتضي نصرة الحقّ مهما كلّف الثمن، وأنّ الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس.

2 ـ لابدّ من مبادرة شجاعة لكسر حاجب الانغلاق، لأنّ هذا الأخير غير مرغوب فيه دينيّاً، وأنّ الإسلام جاء ليفتح لنا آفاق السماوات والأرض، لا ليركسنا في زاوية الانغلاق.

3 ـ لكي لا يتوهّم إخواننا من العامّة، إنّهم هم وحدهم الموجودون، ومن أجل معرفة الآخر، معرفةً، تنسخ ما علق به من شبهات دعائيّة، ومن ثمّ الاعتراف به كواقع، له جذوره الراسخة في عمق التاريخ الإسلامي.

4 ـ إنّنا ونحن ننشد الوحدة، يجب أن نكشف الغطاء عن بعضنا البعض، حتى نتكافأ في معرفة بعضنا البعض، وحتى نتكافأ في السلب والإيجاب، وهذا يمنحنا دفعاً عمليّاً للتوحّد سياسيّاً وحضاريّاً، وهو المانع الوحيد ضدّ التآكل المذهبي.

وأخيراً وليس آخراً، لأنّني عرفت كيف كنت وأيّ مسير اخترت، وأدركت مدى قيمة الحقيقة في حسبان الباحثين عنها، وادركت مدى الجهد الذي بذلته، لخلع جبّة التقليد عنّي، واختراق جدار سميك، سميك.. من الضلالات "(1).

ويقول إدريس الحسيني حول ردود أفعال انتشار كتابه (لقد شيّعني الحسين):

" بالنسبة لكتاب (لقد شيّعني الحسين).. عبّرت بما فيه الكفاية، بأنّه كتاب لم أكن أظنّ أنّه سيثير كل هذه الزوبعة.. لقد أزعج الكثير.. وبلغني ما لحق البعض من محاكمات، وصلت إلى حدّ الحجز والجلد.. وفي أماكن أخرى لحرق كمّيات كبيرة

____________

1- المصدر السابق: 17.


الصفحة 301
منه.. كل ما أقوله للإخوة الذين تعرّضوا لذلك: أنا آسف.. وأجركم على الله.. لكن مثل هذه الإجراءات لا تمنع دخول الكتاب وانتشاره.. لقد بلغ كل المناطق العربيّة والآسيويّة والأوروبيّة وحتى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.. إنّها بركة الإمام الحسين (عليه السلام) ذلك الرجل العظيم، الذي صنع كربلاء في المكان والزمان وفي نفوسنا.. ربّما أظهرت بعضاً من القسوة في تناول الموضوع.. ولكنّني مع كل ذلك رغم الحالة الانفعاليّة الشديدة، لم أكفّر أحدا من العامّة.

لقد كان أسرع كتاب يقدمه مؤلّف لقراّئه.. في بضعة أسابيع، فجّرت ما كان يخالجني من تساؤلات.. إنّني لست قدريّاً بالمعنى الجبري، ولكنّني أقول في هذا الموضوع أنّني كتبت (لقد شيّعني الحسين) جبراً. لقد شيّعني الحسين (عليه السلام)حقيقة، لأنّه وضعني على عتبة التشيّع، وأتمنّى أن يشيّعني مرّة ثانية لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيّع "(1).

____________

1- مجلّة المنبر/ العدد 3.


الصفحة 302

فهرس المطالب / تحميل الكتاب

فهرس المطالب

zip pdf doc