معارف الصحيفة السجادية

الجار

الاستعانة بالله لأداء حقّ الجار:

نعيش بعض الأحيان حالة الفتور أو القصور في حقّ الجار والمؤمنين العارفين بحقّ أهل البيت (عليهم السلام) والمنابذين لأعدائهم، وهذا ما يحتّم علينا الاستعانة بالله ليتكفّل أمورنا ويعيننا في هذا المجال على أداء ما هو مطلوب بأفضل صورة ممكنة.١

بعض حقوق الجار:

 ١. الإرفاق بضعفائهم والتعامل معهم بلين ورفق.

 ٢. سدّ احتياجاتهم المادية والمعنوية.

 ٣. عيادة مريضهم.

 ٤. هداية مسترشديهم.

 ٥. إخلاص النصيحة لمستشيرهم.

 ٦. رعاية شؤون القادم منهم من السفر والراجع بعد الغياب.

 ٧. كتمان أسرارهم وإخفائها بحيث لا يطّلع عليها أحد.

٨. ستر ما يحرصون على ستره حياءً.

 ٩. إعانة مظلوميهم وشدّ عضدهم بالحقّ.

 ١٠. حسن مواساتهم بالمعروف ومشاركتهم في المعاش.

١٢٦

 ١١. إكرامهم والإحسان إليهم بالمال قبل مسألتهم وإظهارهم للحاجة، وهذا ما يلزم تفقّد أحوالهم ومتابعة أوضاعهم ومساعدتهم قبل وصولهم حالة الطلب.

 ١٢. مقابلة إساءاتهم بالإحسان ومنع النفس عن مجازاتهم بالمثل.

 ١٣. الصفح عن المتجاوزين على حدودنا وحقوقنا.

 ١٤. استعمال حسن الظن وحسن القصد معهم جميعاً.

 ١٥. الإحسان وتقديم الخير والبرّ إليهم جميعاً ومن دون تحيّز فيما بينهم.

 ١٦. غضّ البصر عنهم من منطلق العفّة، أي: اجتناب تعمّد الاطّلاع على أسرارهم وأحوالهم الشخصية والنظر إلى نسائهم ومحارمهم.

 ١٧. التعامل معهم بلطف وتواضع ومودّة.

 ١٨. التحنّن والعطف والشفقة على المصابين منهم بأذى أو مكروه .

 ١٩. ذكرهم بالمودّة غياباً، والابتعاد من حالة الازدواجية في التعامل معهم.

 ٢٠. محبّة بقاء النعمة عندهم وعدم زوالها، وإظهار هذه المحبّة في سلوكنا وتصرّفاتنا معهم.

 ٢١. الطلب من الله ليوجب لهم ما أوجب لأقربائنا.

 ٢٢. الحرص على مصالحهم كالحرص على مصالحنا ومصالح أقرب الناس إلينا.

 ٢٣. الدعاء من الله ليوفّقهم إلى إقامة سنّة الله، والأخذ بمحاسن أدبه تعالى.١

١٢٧

الجنّة والنار

الجنّة:

١. بعض أسماء الجنّة:

* «دار المقامة التي لا تزول»١ ؛ لأنّها دار البقاء الدائم والخُلد.

* «محل كرامته التي لا تحول»٢ ؛ لأنّها لا تتغيّر من حال إلى حال.

٢. غاية العبد من حياته عبارة عن نيل رضوان الله ومجاورة الطيّبين من أوليائه تعالى في الجنان التي زيّنها لأصفيائه، ونيل عطاياه الجليلة التي أعدّها لأحبّائه من أهل الإيمان والصلاح والتقوى.٣

٣. الجنّة مكان يستريح فيها الإنسان، وتحيطه السكينة والطمأنينة، وتغمره اللذّة والسعادة والسرور، ويكون في متناول يديه كلّ ما يتمنّاه من النعيم إلى الأبد.٤

١٢٨

٤. رحمة الله وروحه وريحانه وجنّة نعيمه قريبة ممن يطلبونها منه تعالى.١

النار:

خصائص نار جهنم:

١. تغلّظ الله بها على من عصاه.

٢. توعّد الله بها على من أعرض عن رضاه.

 ٣. نورها ظلمة.

٤. هيّنها أليم.

 ٥. بعيدها قريب.

٦. يأكل بعضها البعض الآخر.

 ٧. يصول بعضها على بعض.

٨. تذر العظام رميماً.

 ٩. تسقي أهلها حميماً.

١٠. لا تبقي على من تضرّع إليها.

 ١١. لا ترحم من استعطفها.

١٢. ليس في عذابها تخفيف لمن خشع لها واستسلم إليها.٢

١٢٩

ما في النار:

تلقى جهنم سكّانها بأحرّ ما لديها من أليم العقوبة وشديد الوبال، وفيها:

١. عقارب فاتحة أفواهها.

٢. حيّات حاكّة أنيابها بعضها ببعض.

٣. شراب يقطّع الأمعاء والأفئدة، ويخلع القلوب من مكانها.١

العذاب في النار:

عندما تحترق أجسام المجرمين في نار جهنم، فإنّ الله يبدّل هذه الأجسام بغيرها؛ ليذوق أصحابها المجرمين العذاب مرّة أخرى، وقد قال تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ (النساء: ٥٦) ٢

الاستعاذة بالله من النار:

ينبغي علينا ـ نظراً لفداحة الشقاء الموجود في جهنم ـ الدعاء من الله ليعيذنا من النار، ويهدينا إلى ما يُبعدنا منها، ويؤخّرنا عنها.٣

الجهاد

الهدف من الجهاد:

الهدف من الجهاد مع الأعداء ـ أوّلاً وبالذات ـ هو استئصال الباطل، وإبادة

١٣٠

المعاندين، والقضاء عليهم بالقتل أو تخليص العباد من شرّهم عن طريق إيقاعهم في الأسر أو إبعادهم عن ساحة المواجهة مع المسلمين من أجل توفير الأمن للبلاد الإسلاميّة.

وأمّا الشهادة والقتل في سبيل الله فليست هدفاً بذاتها، وإنّما تصيب المجاهد في طريق تحقيقه للأهداف الأساسية.١

الجهاد الابتدائي:

الهدف من الجهاد الابتدائي هو تحرير مختلف أقطار البلاد من أسر الكفر والشرك.٢

 الحجّة الإلهية

١. إنّ لله كمال الحجج والبراهين والبيّنات الواضحة بحيث لا يعجزه إتمام الحجّة على العباد.٣

٢. أتمّ الله الحجّة على العباد كلّهم، وليس لأحد من العباد العذر في تقصيره إزاء الساحة الإلهية.٤

١٣١

سمات الحجّة الإلهية:

١. الحجّة الإلهية تامّة ومطلقة، ولا يمكن دحضها أبداً.١

٢. الحجّة الإلهية أعظم من أن توصف بكلّها.٢

٣. الحجّة الإلهية أقوى وأظهر حجّة قادرة على الفصل بين الحقّ والباطل.٣

الحسد

من آثار الحسد:

يسلب من صدورنا السلامة.٤

الموقف الصحيح كي لا نحسد:

ينبغي علينا عندما نرى تمتّع شخص بنعمة في دين أو دنيا أو عافية أو تقوى أو سعة أو رخاء أن لا يكون موقفنا تمنّي زوال نعمته، بل يكون موقفنا رجاء الحصول على تلك النعم عن طريق الله، والسؤال فقط منه تعالى لا غيره.٥

 الاستعانة بالله كي لا نحسد:

قد نستصعب التخلّص بأنفسنا من حالة الحسد المهيمنة علينا، فيكون موقفنا

١٣٢ الصحيح في هذه الحالة الاستعانة بالله ليخلّصنا من هذه الرذيلة.١

أفضل سبيل لمواجهة الحاسدين:

أفضل حلّ إزاء من يحسدنا، ويتمنّى لنا زوال النعمة، ويبذل غاية جهده ـ وبشتّى السبل ـ من أجل الإطاحة بنا هو الاستغاثة بالله من سلوكه وتصـرّفاته الموذية، والله لا يخيّب من يتوجّه إليه، بل هو أفضل من يمكن الالتجاء إليه في مثل هذه الحالة.٢

 حسن العاقبة

١. من أهم الأمور التي ينبغي أن نبذل غاية اهتمامنا بها هي حسن العاقبة، بحيث نكون عند مفارقتنا للحياة متحلّين بالصدق في العقيدة والعمل.٣

٢. ينبغي أن يصرف الإنسان جميع عمره بالطاعة والعبادة، ولا سيما عندما يكبر سنّه؛ لأنّه يكون عند الكبر أحوج شيء إلى حسن العاقبة.٤

١٣٣

٣. الإنسان مهدّد في كلّ حين بالانحراف عن الصراط المستقيم، والوقوع في أودية الضلال وسوء العاقبة.

وهذا ما يحتّم علينا الدعاء دائماً بحسن العاقبة؛ ليختم الله لنا بالتي هي أحمد عاقبة، وأكرم مصيراً.١

٤. أهم مرحلة نحتاج فيها إلى التسديد الإلهي هي حسن العاقبة، ولهذا لابدّ من الإصرار الدائم في الدعاء ليميتنا الله مهتدين غير ضالين، طائعين غير مستكرهين، تائبين غير عاصين ولا مصرّين.٢

 ٥. من أهم الأدعية التي ينبغي علينا الاهتمام بها الدعاء لحسن العاقبة، والدعاء ليتوّفانا الله على ملّته وملّة نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله).٣

٦. إنّ الله خير المنعمين، وعلينا أن نسأله تمام النعمة وهي حسن العاقبة.٤

٧. أفضل ميتة هي ميتة يكون الإنسان بعدها من مصاديق قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ (الحديد: ١٢) ٥

٨. أكثر ما نحتاج إليه عند توديعنا لهذه الدنيا وانتقالنا إلى الآخرة هو أن يختم الله بعفوه صحيفة أعمالنا، ويمنحنا بذلك حسن العاقبة.٦

١٣٤

ما نختم به أيامنا:

ما نختم به أيامنا يمتاز بالأهمية بحيث يستوجب الأمر منّا الاستعانة بالله؛ لئلا نختم أيامنا بالفشل والخيبة.١

حكمة الله:

إنّ الله حكيم، وتنبئ حكمته عن معرفته التامّة والشاملة بوضع كلّ شيء في مكانه المناسب.٢ ولا يستطيع أيّ عامل خارجي التأثير على حكمة الله في أفعاله، وما يتمسّك به العباد من أسباب فإنّها تعمل في دائرة الحكمة الإلهية وبإذن الله فحسب.٣

قال الله عزّوجل: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء: ٢٣)

معنى الآية:

١. لا يُسأل الله عمّا يفعل؛ لأنّه حكيم على الإطلاق، وهم يُسألون؛ لجواز الخطأ والغفلة عليهم.

٢. لا يُسأل الله عمّا يفعل؛ لأنّه لا يحاسب على أفعاله، وهم يُسألون؛ لأنّهم يحاسبون على أفعالهم.

٣. لا يسأله الملائكة والمسيح عن فعله، وهو يسألهم ويجازيهم، فلو كانوا آلهة لم يسألهم عن أفعالهم.٤

١٣٥

حلم الله

لا يستعجل الله في معاقبة المذنبين، وقد ورد هذا المعنى في أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) بعبارات مختلفة، منها:

١. إنّ الله حليم، لا يعاقبنا إزاء ما ارتكبناه من معاصي بسـرعة، بل يمهلنا ويتأنّى في جزائنا، وليس هذا لامتلاكنا المكانة والمنزلة عند الله، بل لتفضّله تعالى علينا وإحسانه لنا.١

٢. إنّ الله قادر حليم، ولو لا حلمه لبطش بنا وعاجلنا بالعقوبة.٢

٣. إنّ الله حليم، ودأبه ـ نتيجة تفضّله ـ تأجيل العقوبة وتأخير العذاب، وليس من دأبه حرماننا من نعمه أو تكدير معروفه إزاء فعلنا للسيّئات.٣

 ٤. يستحق العاصي في أوّل ما يهم بعصيان الله أن يعاقبه الله أشدّ العقوبة، ولكنّه تعالى يترك حقّه ويتفضّل على العاصي فلا يعاجله بنقمته؛ ليفسح بذلك له مجال التوبة والإنابة.٤

١٣٦

٥. أعجب ما يكون فينا كثرة الذنوب والمعاصي التي تنكشف كمّيتها عندما نعدّها للاعتراف بها أمام الله عزّوجل.

والأعجب من ذلك عظيم حلم الله عزّوجل بنا، وعدم معاجلته لنا بالعقوبة مع استحقاقنا لذلك.١

 ٦. إنّنا نخالف أوامر الله عزّوجل ونرتكب نواهيه، لكنّه تعالى لا يسـرع في عقوبتنا ولا يعاجلنا بنقمته، بل يتعامل معنا بحلمه، فيكرمنا ويمهلنا برحمته، وينتظر إنابتنا إليه برأفته.٢

 ٧. يحلم الله علينا إزاء ارتكابنا للذنوب والمعاصي، ولا يعاجلنا بالعقوبة؛ لكي نرتدع وننتهي ونبتعد عمّا يؤدّي إلى سخطه وغضبه، ونمتنع عن اقتراف السيّئات التي تسقطنا من عين رعاية الله عزّ وجل.٣

 ٨. يتفضّل الله على عباده المسيئين والعاثرين الذين زلّت أقدامهم في أودية المعاصي باقالتهم وقبول عذرهم، ولا يؤاخذهم بمجرد إرتكابهم للمعصية، بل يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة، لعلّهم إليه تعالى يرجعون.٤

٩. لا يستعجل الله ـ عموماً ـ في معاقبة المجرمين، بل يمهلهم لعلّهم ينيبوا إليه تعالى.

وهذا الإمهال لا يضرّ الله شيئاً؛ لأنّ هؤلاء المسيئين ـ قريباً أو بعيداً ـ إلى

١٣٧

حكم الله صائرون، وإلى أمر الله عائدون.

ولا يضعف سلطان الله طول مدّة إمهالهم.

ولا يبطل حجّة الله تركه تعالى التأخير في معاقبتهم.

وانّما حجّة الله قائمة لا تُدحض، وسلطان الله ثابت لا يزول.١

١٠. لا يكون تأنّي الله إزاء العصاة عجزاً، ولا إمهاله وهناً، ولا إمساكه غفلة، ولا انتظاره مداراة، بل الهدف أن تكون حجّته تعالى أبلغ، وكرمه أكمل، وإحسانه أوفى، ونعمته أتم، وهذه سنّة الله مع عباده دائماً.٢

 ١١. السنّة الإلهية في تعامله مع المسيئين عدم مؤاخذتهم بسرعة، بل تركهم وإمهالهم ولو لفترة طويلة.

ويبتغي الله وراء ذلك أن يتوب هؤلاء وينيبوا إليه تعالى ليكونوا من أهل السعادة، ولكن البعض يسيؤون الاستفادة من هذا التأخير والإمهال، فيتمادوا في طغيانهم ويغدوا من أهل الشقاء.٣

١٢. لا يستعجل الله أبداً في الانتقام والعقاب؛ لأنّ العجلة إنّما تكون ممن

١٣٨

يخاف الفوت، والله منزّه عن ذلك.١

حمد الله

لزوم حمد الله:

١. ينبغي علينا أن لا نغفل أبداً عن حمد الله إزاء ما يتفضّل به علينا من معروفه وإحسانه.٢

٢. ينبغي أن تلهج ألسنتنا دائماً بحمد الله، ولا يكون السكوت ـ بعض الأحيان ـ حجاباً يمنعنا عن مواصلة الحمد.٣

لا يمكننا الحمد إلّا بتوفيق الله:

لا يمكننا حمد الله إلّا بتوفيق من الله، وهذا التوفيق بذاته يحتاج منّا إلى حمد آخر، وهذا ما يكشف بأنّنا عاجزون عن حمد الله بتمام الحمد.٤

العجز عن القيام بالحمد الحقيقي:

١. إنّنا عاجزون عن القيام بحمد الله الحقيقي الذي يكون على النحو الأتم، وغاية ما يمكننا فعله أن نحمد الله مع الاعتراف بالعجز عن أداء حقّ الله في هذا المجال.٥

١٣٩

٢. إنّنا لا نطيق أداء حمد الله وشكره بما يتناسب عظيم نعم الله وآلائه، كما أنّه تعالى هو المصدر الوحيد الذي يلبّي جميع احتياجاتنا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فلهذا لا يكون لنا القدرة على الوفاء بالحمد والشكر لهذه النعم التي لا تعدّ ولا تحصى.١

الحمد اليسير:

إنّ الله يقبل يسير الحمد.٢

الثواب الإلهي إزاء حمدنا إياه:

يثيب الله العبد إزاء حمده له من منطلق التفضّل لا من منطلق الاستحقاق؛ لأنّه تعالى هو الذي يعلّم العبد «الحمد»، ولولا هذا التعليم لم يعرف العبد أيّ معنى لحمد ربّه.٣

أهم موارد حمد الله:

١. إزاء ما وقانا من البلاء.٤

٢. إزاء انتشار نعمه بين جميع المخلوقين.٥

٣. إزاء ما هدانا لحمده وتوفيقه إيانا لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا

١٤٠ على ذلك جزاء المحسنين.١

 ٤. إزاء توفيقه إيّانا لنكون من أتباع دينه ومن أهل الإسلام، وإرشاده إيانا إلى أحسن السبل لنسير في ظلّ فضله وإحسانه إلى رضوانه تعالى٢

٥. إزاء ما قدّم إلينا من خير ومعروف.٣

٦. إزاء ما أحاطنا من نعمه الواسعة وعطاياه الكثيرة.٤

 ٧. إزاء ما فضّلنا به من رحمته الواسعة.٥

بصورة عامة: يستحق الله منّا الحمد إزاء إحسانه وفضله علينا، وإزاء ما أعطانا وأغمرنا من نعمه الهائلة التي لا تعدّ ولا تحصى.

والأهم من ذلك إزاء هدايته إيانا إلى دينه الذي اصطفاه ـ وهو الإسلام ـ وجعلنا من أتباع ملّته وشريعته التي ارتضاها لنا، وسبيله الذي يسـّره لنا، والعاقبة التي بصّرنا إياها، والطريق الذي مهّده لنا للوصول إلى كرامته وهي الجنّة ورضاه.٦

١٤١

خصائص الحمد المفضّل:

١. حمداً يستمر لفترة طويلة مع الحامدين.١

٢. حمداً «لا منتهى لحدّه [أي: يتجاوز الزمان والمكان ويخترقهما سعياً إلى مرضاة الله]، ولا حساب لعدده، ولا مبلغ لغايته، ولا انقطاع لأمده».٢

٣. حمداً إزاء «كلّ نعمة له علينا وعلى جميع عباده الماضين والباقين عدد ما أحاط به علمه من جميع الأشياء، ومكان كلّ واحدة منها عددها أضعافاً مضاعفة أبداً سرمداً إلى يوم القيامة».٣

٤. حمداً «بكلّ ما حمده به أدنى ملائكته إليه [أي: بكلّ الأشكال التي دأب على حمده بها الملائكة المقرّبون]، وأكرم خليقته عليه، وأرضى حامديه لديه، حمداً يفضُل سائر الحمد [أي: يفوق أنواع الشكر ومقداره] كفضل ربّنا على جميع خلقه».٤

٥. حمداً يخلّف حمد الحامدين وراءه.٥

٦. حمداً يملأ أرض الله وسماءه.٦

٧. حمداً يتقبّله منّا ويرضى به عنّا.٧

١٤٢

٨. منتهى الحمد بمختلف أنواعه وأشكاله.١

 ٩. حمداً لا ينقطع أبداً، بل يكون دائماً بدوام وجود الله، ودوام وجود نعمه على مخلوقاته.٢

١٠. حمداً موازياً لصنع الله بحيث يعادل خلق الله في العدد.٣

١١. حمداً يزيد على رضا الله.٤

١٢. حمداً يرافق حمد كلّ حامد.٥

١٣. حمداً ينفرد به الله دون خلقه، ولا يليق إلّا بجلال الله.٦

١٤. حمداً لا يتقرّب به إلّا إلى الله.٧

١٥. حمداً تدوم به النعم الحاصلة، ويطلب به دوام النعم الآتية.٨

١٦. حمداً يزداد ويتضاعف بمرور الأزمان وتكرّر الأيام.٩

١٧. حمداً يعجز عن إحصائه الملائكة الذين وكّلهم الله بحفظ أعمالنا، بل يزيد على ما أحصاه هؤلاء الملائكة عند كتابتهم لهذا الحمد.١٠

١٤٣

 ١٨. حمداً يوازن عرش الله المجيد، ويعادل كرسي الله الرفيع.١

١٩. حمداً يكون ثوابه كاملاً.٢

٢٠. حمداً تكون ألفاظه الظاهرية موافقة لباطنه الموجود في القلب، ويكون باطنه مبتنياً على النية الصادقة الخالصة لوجه الله.٣

٢١. حمداً يعلو على حمد جميع الخلق.٤

٢٢. حمداً لا يعرف فضله أحد سوى الله.٥

٢٣. حمداً مدعوماً ومؤيّداً ومسدّداً من قبل الله.٦

٢٤. حمداً يجمع ما مضى وما يأتي من حمد الخلائق لله.٧

٢٥. حمداً يكون أقرب الحمد إلى ما أمر الله به.٨

٢٦. حمداً يكون أقرب الحمد إلى الله من كلّ حمد حمده به أحد الخلائق.٩

٢٧. حمداً يوجب لنا نيل المزيد من النعم الإلهية.١٠

٢٨. حمداً يوجب لنا بكرم الله نيل المزيد من النعم والعطايا الإلهية.١١

١٤٤

٢٩. حمداً يتناسب مع الكرامة والعظمة والعزّة والجلالة الإلهية.١

٣٠. حمداً يتجسّد في كلّ أبعاد وجودنا عن طريق الاهتمام بالنفس والذكر باللسان والتفكير بآياته بالعقل.٢

٣١. حمداً يبلغ الوفاء وحقيقة الشكر.٣

آثار حمدنا لله تعالى:

١. يضيء لنا ظلمات البرزخ.٤

٢. يسهّل لنا اجتياز الطريق من القبر إلى عرصات يوم القيامة.٥

 ٣. يشرّف منازلنا عند مواقف الأشهاد، وهم الذين يقفون يوم القيامة للشهادة على الناس.٦

٤. يقرّ عيوننا إذا برقت الأبصار، وثبتت من الخوف والرعب عند معاينتها ملك الموت أو أهوال القيامة.٧

٥. يبيّض وجوهنا إذا اسودّت الوجوه.٨

٦. يؤدّي إلى إعتاقنا من أليم نار الله إلى كريم جوار الله.٩

١٤٥

٧. يجمعنا مع أنبياء الله المرسلين في الجنّة.١

 ٨. يرفعنا إلى درجة نكون فيها قادرين على التنافس مع المتنافسين إلى رضا الله وعفوه، ومنهم الملائكة المقرّبون.٢

٩. يوصلنا إلى طاعة الله ونيل عفوه وغفرانه.٣

١٠. يكون سبباً لاكتساب الرضوان الإلهي.٤

١١. يكون ذريعة لنيلنا مغفرة الله تعالى.٥

١٢. يتيح لنا السير في طريق ينتهي بنا إلى الجنّة.٦

١٣. يحرسنا ويحمينا من نقمة الله تعالى.٧

١٤. يوفّر لنا الأمن من غضب الله عزّ وجل.٨

١٥. يساعدنا على طاعة الله تعالى.٩

١٦. يمنعنا من ارتكاب معصية الله تعالى.١٠

١٧. يعيننا على أداء حقّ الله ووظائفه.١١

١٤٦

١٨. يجعلنا من أولياء الله السعداء.١

١٩. يلحقنا بمنزلة الذين قتلوا في سبيل الله على يد أعداء الله تعالى.٢

٢٠. يؤدّي بنا إلى الزهد، فلا نفرح بعدها بما آتانا الله من الدنيا، ولا نحزن على ما منعنا منها.٣

٢١. يرتفع إلى أعلى عليين، ويبلغ ديوان الخير والأعمال الصالحة، ويُسجَّل في كتاب مرقوم، أي: كتاب مشتمل على تسجيل دقيق لأحوال السعداء وجزاء الصالحات، ويشهد المقرّبون هذا الكتاب.٤

حملة عرش الله

خصائص حملة عرش الله:

١. لا يفترون، أي: لا يسكنون بعد نشاط من تسبيح الله عزّ وجل.٥

٢. لا يملّون من تقديس الله عزّ وجل.٦

٣. لا يتعبون ولا يكلّون من عبادة الله عزّ وجل.٧

٤. لا يختارون الراحة على تعب العبادة فيقصرون أو يتوانون في عبادة الله.٨

١٤٧

٥. لا يغفلون عن شدّة المحبّة لله عزّوجل والشوق إليه.١

خشية الله

إنّ الله هو الملجأ الحقيقي الوحيد للخوف والخشية منه.٢

الخشية المطلوبة:

ينبغي أن يتحلّى الإنسان بخوف العابدين ورهبة أولياء الله.٣

ازدياد الخشية:

كلّما يزداد الإنسان علماً بالله، فإنّه سيزداد خشية منه تعالى.

وكلّما يزداد الإنسان علماً بطاعة الله، فإنّه سيزداد خضوعاً وتذلّلاً له تعالى.٤

أثر خشية الله:

خشية الله تسلب من قلب الإنسان محبّته للدنيا.٥

وبصورة عامة: ينبغي أن نحيي في قلوبنا دائماً الشعور بالخوف من العقوبة الإلهية؛ ليردعنا ذلك عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.

كما ينبغي علينا أن نحيي في قلوبنا دائماً الشعور بالشوق للثواب الأخروي؛

١٤٨

ليحفّزنا ذلك على القيام بالأعمال الصالحة.١

الخوف والرجاء:

١. ينبغي أن نعيش بين حالتي «الخوف واليأس» من جهة و«الطمع والرجاء» من جهة أخرى، ولكن في مقام التوبة ينبغي أن يكون «خوفنا ويأسنا» أكثر من «طمعنا ورجائنا»؛ لأنّ مقام التوبة يتطلّب منّا الشعور بأنّ حسناتنا أقل من سيئاتنا.

كما ينبغي الحذر لئلا يؤدّي بنا رجحان كفّة «اليأس» إلى بلوغها مرحلة «القنوط»، أو رجحان كفّة «الطمع» إلى بلوغها مرحلة «الاغترار».٢

٢. ينبغي أن لا يغتر الإنسان بالله ولو كان من الصدّيقين.

كما ينبغي أن لا ييأس من الله ولو كان من المجرمين؛ لأنّ الله هو الربّ العظيم الذي لا يمنع أحداً فضله، ولا يطالب من أحدٍ حقّه.٣

خلق الله الأشياء

أساس خلقة الأشياء:

أنشأ الله الأشياء من غير سنخ ولا أصل يرجع إليه.

١٤٩

وصوّر ما صوّره من غير مثال وشبيه.

وابتدع المبتدعات بلا اقتداء بغيره.١

تفرّد الله بالخلق:

قدّر الله جميع الأشياء تقديراً، ويسّر كلّ الأشياء تيسيراً، ودبّر ما سواه تدبيراً، ولم يساعد الله في أمر الخلقة شريك، ولم يوازره في ذلك وزير، ولم يكن معه عند الخلق من يشاهد فعله أو يكون له نظير.٢

حسن صنع الله:

ابتدأ الله واخترع واستحدث وابتدع وأحسن صنع ما صنع.٣

خلقة الإنسان

١. خلقنا الله من ماء مهين بعد أن أخرج هذا الماء من صلب متراص العظام، ضيّق المنافذ إلى رحم مستور بالحجب، وبدّل أحوالنا في صور مختلفة حتّى انتهى بنا إلى تمام الصورة، وأثبت فينا الجوارح، وأشار الباري تعالى إلى هذه المراحل في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا

١٥٠ الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ ( المؤمنون: ١٤) ، ثُمّ أنشأنا الله خلقاً آخر كما شاء.

وعندما احتجنا ـ ونحن في الرحم ـ إلى رزقه تعالى، جعل لنا قوتاً من فضل طعام وشراب أجراه لأمّنا التي أسكننا جوفها وأودعنا قرار رحمها.

ولو تركنا الله في تلك الحالات إلى وسعنا وقدرتنا لم يسعنا فعل شيء، بل لم تكن لنا قوّة، ولم يكن لنا حول في ذلك الوقت، ولكن شملتنا الرعاية الإلهية بفضله تعالى، وغذّانا الله غذاء البر اللطيف، ولم يمنع عنّا خيره وإحسانه، بل لم يبطئ عنّا حسن صنيعه.

ومع هذا الفضل والعطاء والكرم الإلهي كلّه فإنّنا نعيش الغفلة، ولا نتوجّه إلى الله، ولا نؤدّي عبادته وطاعته بالنحو المطلوب.١

٢. خلقنا الله من الضعف، وجعل بداية خلقتنا التكوينية من ماء حقير لا يعبأ به.٢

١٥١

خصائص خلقة الإنسان:

١. خلق الله بعض خصائص العباد وفق إرادته، ولم يسمح أن يكون لهم الاختيار في تحديد هذه الخصائص، ثُمّ فرض عليهم تكاليف تهديهم إلى محبته ونيل مرضاته، ولم يجعل الله لإرادة العباد في هذا المجال أيّ دور أو تأثير.١

 تنبيه: إنّ خلق الله العباد وفق إرادته لا يعني أنّهم مجبورون في أفعالهم، بل يعني أنّهم مجبورون في بعض خصائصهم، من قبيل: الشكل والهيئة والطول والقصر و...

وأمّا في خصوص أفعال العباد الاختيارية فقد أراد الله أن تكون هذه الأفعال اختيارية.

٢. اختار الله لنا عند خلقنا محاسن وجمال ولطافة الخلقة.٢

٣. مكّن الله الإنسان من تسخير البهائم وجَعْلها طائعة وممتثلة لأمره ونهيه.٣

٤. لا يمتلك الإنسان روحاً واحدة، بل جعل الله له أرواح متعددة.٤

هدف خلقة الإنسان:

١. خلقنا الله في هذه الحياة الدنيا للعبادة، ولهذا أمرنا ونهانا، ورغّبنا في ثواب ما أمرنا به ورهّبنا عقابه.

١٥٢

وجعل الله الحياة فرصة يصلح فيها شؤوننا، ويختبر مواقفنا في أوقات طاعته، ويرى مدى التزامنا بأداء واجباته، وأداء أحكامه التي فرضها علينا ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ ( النجم: ٣١) ١

٢. خلقنا الله لنكون من عباده الصالحين ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ ( المؤمنون: ١١) ، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ ( المؤمنون: ٦٠) ، ومن الذين ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ (المؤمنون: ٦١) ٢

٣. لم يخلق الله العباد ليدفع عن نفسه السوء، أو يحصل بهم على المنفعة، بل خلقهم إثباتاً لقدرته على خلق أمثالهم، واحتجاجاً بهم على من ينكر النشأة الأخرى، والكشف عن هذه الحقيقة بأنّ القادر على خلق شيء من العدم قادر على إعادتها بعد الموت والفناء.٣

 الدعاء

١. إنّ الله هو الملجأ الحقيقي الوحيد للدعاء وطلب الحوائج.٤

١٥٣

٢. إنّ الله هو الملجأ الحقيقي للبوح بأسرارنا عنده تعالى.١

٣. يجب أن يكون ملجؤنا الوحيد عند الدعاء وطلب الحوائج هو الله، بحيث نجعل الله عزّوجل المتولّي لحاجاتنا والقيّم عليها والمتصرّف بها.٢

٤. يلازم طلب الحوائج من الآخرين ـ بصورة عامة ـ الشعور بالفقر والاحتياج، ولهذا ينبغي الدعاء من الله ليصون ماء وجهنا عن الطلب من الآخرين، ويجنّبنا التماس ما عندهم ولا سيّما الفاسقين منهم.٣

الدعاء عبادة:

الدعاء عبادة، وتركه استكبار، وعاقبة المستكبرين الدخول في النار، وقد قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ (غافر: ٦٠) ٤

الدعاء نعمة:

١. الالتجاء إلى الله والسؤال منه تعالى عند الحاجة بحدّ ذاته نعمة إلهية، وعلينا أن نمدّ أيدينا إلى الله بالدعاء ليمنحنا هذه النعمة، ويوفّقنا لنكون ممن

١٥٤ يتوجّه إليه تعالى دائماً بالسؤال عند الحاجة والتضرّع إليه عند المسكنة.١

٢. من نعم الله علينا أنّه فسح لنا مجال التحدّث معه، وطلب حوائجنا منه متى وأين ما شئنا.٢

٣. يحبّ الله أن ينفرد له العبد بعيداً عن الناس، ويناجيه في الليل والنهار، وإذا وجد العبد بأنّه لا يمتلك الدافع لهذه المناجاة، فعليه أن يتوسّل بالدعاء فيطلب من الله أن يزيّن ويرّغب له هذه العبادة.٣

آدب الدعاء:

١. القصد بالرغبة بحيث تصرف هذه الرغبة نظرنا عن غيره تعالى، وينبغي أن تكون رغبتنا في مسألة الله مثل رغبة أولياء الله في مسألتهم.٤

وإذا عشنا حين الدعاء حالة الرغبة بما عند الله، فسيكون لهذه الرغبة التأثير الكبير في استجابة دعائنا.٥

وتتجسّد نهاية هذه الرغبة في الإقبال على الله بكلّ الوجود، بحيث يعيش الإنسان حالة كمال الانقطاع إلى الله، ولا يشغله شيء أبداً عن الله عزّ وجل.٦

٢. الرجاء بالله، والثقة بأنّه تعالى لا يخيّب رجاء من رجاه.٧

١٥٥

٣. العلم بأنّ الكثير الذي نسأله من الله قليل إزاء عظمة ثروته تعالى، وأنّ عظيم ما نطلبه من الله حقير إزاء وسع عطائه عزّ وجل.١

 ٤. العلم بأنّ كرم الله لا يضيق عن سؤال أحد، وأنّ يد الله بالعطايا أعلى من كلّ يد، وتبلغ عظمة جوده واتّساع إحسانه حدّاً يحيط كلّ الخلائق.٢

 ٥. الطلب من الله تعالى:

أن يتعامل معنا بفضله؛ ليشملنا كرمه وإحسانه بمقتضى فضله.

وأن لا يتعامل معنا بعدله؛ لأنّنا سنستحق الحرمان بمقتضى عدله.٣

٦. العلم بأنّ الله يجيب دعاءنا، وهو قريب من ندائنا، ويرحم تضـرّعنا، ويسمع صوتنا، ولا يقطع رجاءنا، وهو الذي يسهّل لنا أمورنا العسيرة.٤

 ٧. الدعاء من الله ليقدّر لنا ما هو حسن في جميع الأمور.٥

٨. الالتفات إلى هذه الحقائق:

*لا ربّ لنا غير الله.

*لا ولي لنا دون الله.

*لا منقذ لنا من الله إلّا الله.

١٥٦

*لا ملجأ لنا من الله إلّا إلى الله.١

 ٩. ينبغي أن يكون دعاؤنا في حالة الرخاء مشابهاً لدعائنا في حالة الشدّة؛ لأنّ حالة الرخاء ـ بصورة عامة ـ تدفعنا إلى الغفلة عن ذكر الله، وقلّة الاندفاع بشوق وإخلاص في الدعاء.

ولهذا ينبغي علينا الاستعانة بالله لتشملنا الألطاف الإلهية، فيكون إخلاص توجّهنا نحو الله في حالة الرخاء مشابهة لحالة الشدّة والاضطرار؛ فيكون دعاؤنا من الله في الرخاء كدعاء المخلصين المضطرين في حالة الشدّة.٢

 ١٠. يجدر بالعبد الذي يتقدّم نحو الله بالدعاء أن يعترف ويشهد على نفسه أمام الله عزّوجل بأنّه العبد، المسكين، المستكين، الضعيف، الضـرير، الحقير، المهين، الفقير، الخائف، المستجير الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلّا به تعالى، ثُمّ يطلب من الله أن ينجز له ما وعده، ويتمّ له ما آتاه، وأن يكون برحمة الله أوثق منه بعمله.٣

١٥٧

أهم موارد الدعاء:

١. في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.١

٢. البصيرة في قلوبنا بحيث ندرك من خلالها محاسن الأمور وقبحها.٢

٣. الخوف والخشية من الله تعالى.٣

٤. القوّة على أداء ما أمرنا الله به من طاعته، والاجتناب عما نهانا عنه من معصيته.٤

٥. يفتح الله لنا أبواب توبته ورحمته ورأفته ورزقه الواسع.٥

٦. السلامة في الدين والبدن.٦

٧. الوقاية من عذاب النار.٧

٨. الجنّة.٨

٩. النفاذ في أمورنا.٩

١٠. الصحة.١٠

١٥٨

١١. الأمن.١

١٢. الحج والعمرة وزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبور آله في كلّ عام.٢

 وأبرز الأمور الأخرى التي ينبغي علينا أن نطلبها من الله ليجمعها لنا هي: الغنى، العفاف، السعة في العيش، المعافاة والطمأنينة.٣

 وعموماً: ينبغي أن نطلب من الله أموراً:

١. نرغب فيها.                     ٢. لنا العذر في طلبها منه تعالى.

٣. نحصل بها على الخير والعافية.٤

العوامل المحفّزة على الدعاء:

١. ما يمنعنا عن التوجّه إلى الله بالدعاء والمسألة منه، أنّه تعالى:

الف. أمرنا فأبطأنا عن تنفيذ أمره.

ب. نهانا فأسرعنا إلى ارتكاب نهيه.

ج. أنعم علينا فقصّرنا في شكره.

ولكن ما يدفعنا إلى التوجّه إليه تعالى بالدعاء والمسألة، أنّه تعالى دأبه التفضّل على من يقبل بوجهه إليه، ويتوجّه بحسن ظنّه إليه.

١٥٩

ومن هنا فإنّ «تفضّل الله تعالى وإحسانه وكرمه وجوده وعطائه» هو الذي يخترق جميع الحواجز التي بيننا وبين الله، ويدعونا إلى طلب حوائجنا منه تعالى.١

٢. ما يحفّزنا نحو الدعاء أنّه تعالى لا يصعب عليه استجابة دعائنا، ولا يحيطه العجز لتلبية طلباتنا.٢

٣. قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: ٦٠) ، وهذا ما يدفعنا إلى التوجّه نحوه تعالى بالدعاء وطلب الاستجابة منه انجازاً لما وعدنا به من الإجابة.٣

٤. إنّ الله جواد وكريم ولا يصعب عليه أبداً استجابة أيّ دعاء، وهذا ما يدفعنا إلى الدعاء وطلب حوائجنا منه تعالى.٤

٥. ينبغي علينا الالتفات عند الدعاء إلى هذه الحقيقة بأنّ كلّ شيء على الله يسير، وهذا ما يجعلنا أكثر أملاً باستجابة دعواتنا.٥

التأخير في استجابة الدعاء:

١. قد يؤخّر الله استجابته لدعائنا لوجود بعض المصالح الخافية علينا، فيدفعنا هذا التأخير إلى اليأس عن الإجابة، ولكنّنا ينبغي السؤال منه تعالى بأن لا

١٦٠ يجد اليأس مدخلاً للتوغّل في نفوسنا عند تأخير استجابته لدعائنا.١

٢. ينبغي للداعي عند تأخير إجابة دعائه الحذر لئلا يكون هذا التأخير سبباً لتسرّب حالة اليأس في نفسه إزاء العدل الإلهي.٢

التوجّه إلى غير الله بالدعاء:

١. إنّ الملبّي الحقيقي لحوائجنا هو الله، ومن سوّلت له نفسه التوجّه إلى غير الله ظانّاً بأنّ ذلك الغير قادر على قضاء حاجته من دون إذن الله فقد أخطأ، وهو بحاجة إلى:

الف. التذكير الإلهي ليصحو من غفلته.

ب. التوفيق الإلهي ليقوم بتصحيح زلّته.

ج. التسديد الإلهي ليحجم عن المضي في عثرته.

ليعي كيف يسأل محتاج محتاجاً؟

وأنّى يرغب الفقير الذي لا يملك شيئاً إلى نظيره؟

فيقصد الله لطلب حوائجه.٣

١٦١

٢. إنّ الله منتهى مطلب الحاجات، فإذا توجّهنا في قضاء حوائجنا إلى غير الله، علينا معرفة هذه الحقيقة بأنّ أسباب قضاء كلّ الحوائج بيد الله عزّ وجل، ولا تقضى أيّة حاجة إلّا بإذنه تعالى.١

٣. إذا ترك الإنسان السؤال من الله وتوجّه بالخضوع للسؤال من غير الله والتضرّع إلى غيره تعالى، فإنّه سيستحق بذلك الخذلان والمنع والإعراض من قبل الله تعالى.٢

٤. إنّ الله هو الوحيد القادر على تلبية جميع طلبات العباد، ولهذا يكون مصير الوافدين على غيره تعالى هو الفشل والخيبة والضياع والخسران.٣

٥. علينا الدعاء من الله لئلا يبتلينا بالخضوع للسؤال من غيره تعالى عند الافتقار، وأن لا يفتننا بالتضرّع إلى غيره تعالى عند الرهبة.٤

الدعاء للآخرين:

١. ينبغي علينا ـ كما ندعو لأنفسنا ـ أن نطلب مثل ذلك لجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.٥

١٦٢

٢. عندما نتوجّه بالدعاء إلى الله ونطلب منه الخير لأنفسنا، فعلينا أن نطلب ذلك لسائر المؤمنين، كما إذا طلبنا من الله شيئاً لسائر المؤمنين، فعلينا أن نسأل الله ليرزقنا مثل ذلك، وأن يجعل لنا أوفى الحظوظ فيما رزق المؤمنين به، وأن يشركنا في صالح دعاء عباده المؤمنين، فنحظى بذلك المزيد من الخير والعطاء الإلهي.١

ويحسن بنا عند الدعاء أن نذكر جميع المؤمنين بخير، ونطلب من الله المغفرة والرضوان لهم، ولا سيّما:

١. الذين اتّبعوا الرسل، وصدّقوا ما جاؤوا به من رسالات تشتمل على أخبار الغيب.

٢. الذين صمدوا واستقاموا وأعلنوا إيمانهم رغم وجود تيارات معاكسة من قبل المعاندين والمكذّبين.

٣. الذين عاشوا بقلوبهم المتلهّفة لحقائق الإيمان حالة الشوق إلى المرسلين في كلّ دهر وزمان أرسل الله فيه رسولاً.

٤. الذين كانوا من أئمّة الهدى وقادة أهل التقى.٢

أثر الدعاء:

١. الدعاء سلاح المؤمن، وهو أفضل وسيلة للتحرّز من شماتة الأعداء

١٦٣

والتخلّص منهم ومن ظلمهم وإذلالهم إيّانا.١

٢. الدعاء وسيلة نحصل به على كلّ الخير، ومن هذا الخير التوفيق الإلهي للسير في الطريق الذي من سكنه عاش في ظلّ الرعاية والأمن الإلهي.٢

٣. إنّ لله تعالى إحسان وفضل خاص لا نناله إلّا بالدعاء.٣

 ٤. ما نأمله من الدعاء نيل السعادة ممّا يعطينا الله، وما يزوّدنا من فضله الدنيوي والأخروي.٤

 ٥. إنّ الرحمة الإلهية أقرب إلى الداعي من غيره.٥

٦. سعينا الشديد في الدعاء والتضرّع يؤدّي إلى فكاك رقابنا من النار.٦

موارد لزوم الدعاء:

١. إذا كانت لنا حاجة، وبذلنا كلّ وسعنا وطاقتنا، واستخدمنا كلّ إمكانياتنا لقضائها، فلم نصل إلى مبتغانا، فسيكون الحلّ الوحيد في هذه الحالة، هو الالتجاء إلى الله لقضائها.٧

١٦٤

٢. عندما نواجه السبل الموصدة أمام قضاء حوائجنا، وتخيب آمالنا لنيل مبتغياتنا، لا يكون لنا طريق إلّا طلب حوائجنا من الله تعالى، وسيكون الله عزّوجل ملجؤنا الوحيد لنيل ما نبتغيه.١

استجابة الدعاء:

١. طلب الله منّا التوجّه إليه بالدعاء، فقال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ ( غافر: ٦٠) ، وما علينا سوى اغتنام الفرصة وتلبية هذا النداء الإلهي والتوجّه إليه تعالى بصدق وإخلاص.٢

٢. يسمع الله من يشكو إليه همومه وغمومه، ويصغي إلى نجواه، ويستجيب دعائه.٣

٣. يستقبل الله طلبات الخلق جميعاً، ويستمع إلى مسائلهم واحتياجاتهم، ولا ترهقه أو تتعبه كثرة الطلبات أبداً.٤

٤. استجابة دعائنا عمل سهل ويسير على الله تعالى.٥

٥. استجابته تعالى لدعائنا لا تؤثّر في خزائن ملكه ولا تنقص من قدرته، وإنّما يتعامل الله مع عباده بمنتهى الفضل والإحسان وهو على كلّ شيء قدير.٦

١٦٥
السابق اللاحق

فهرس المطالب / تحميل الكتاب

فهرس المطالب

zip pdf doc